شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٦٣
وإبراهيم بن أدهم فتقدم المشيعون له فإذا هم بأسد على الطريق فقال لهم إبراهيم بن أدهم: قفوا حتى يأتي جعفر فننظر ما يصنع فجاء جعفر صلوات الله عليه فذكروا له حال الأسد فأقبل أبو عبد الله (عليه السلام) حتى دنا من الأسد فأخذ بأذنه حتى نحاه عن الطريق، ثم أقبل عليهم فقال: «أما الناس لو أطاعوا الله حق طاعته لحملوا عليه أثقالهم» وبالجملة التقوى سبب لنيل الأمن في الدنيا والآخرة وعدم الخوف من ساير المخلوقات وعامة المؤذيات، ولهذا قيل: التقوى سبب للنجاة من مخاوف دنيوية كما هي سبب للنجاة من مهلكات أخروية.
(ومن أطاع الله) في أوامره ونواهيه وآدابه (يطاع) هذا تفسير لما قبله; إذ الطاعة من وثايق التقوى وأجزائها وإنما حذف فاعل «يطاع» للدلالة على التعميم; وذلك لأنه يطيعه الله تعالى أولا كما ورد «من كان لله كان الله له» وكما قال جل شأنه (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) فيسهل له الصعاب ويهيئ له الأسباب ويفيض عليه أنواع الكرامة، وينبت له رياض السلامة، ولباه إذا ناداه، ويجيبه إذا ناجاه، ويطيعه النفس الأمارة بالسوء والقوى الجسمانية والآلات النفسانية ثانيا لظهور أن ملكة الطاعة سبب لإطاعة النفس المطمئنة وإطاعة جموح الهوى في موارد الهلكة، ويطيعه جميع الخلائق وإن كانوا فجارا وكفارا ثالثا، لأنه لما ترك الدنيا وزهراتها واشتغل بالطاعة صار أبناء الدنيا الطالبون لها يحبونه ويطيعونه لإعراضه عن مطلوبهم، أو لأنه جبلت القلوب على حب المطيع لله، أو لأن كل شيء له رجوع إلى الله إذا اتصلت نفس المطيع بالله اتصالا معنويا حتى صار نطقه نطق الحق ولسانه لسان الحق وقدرته قدرة الحق وفعله فعل الحق صار كل شيء مطيعا له منقادا لأمره ومن هذا القبيل انشقاق القمر ونقل الشجر وتسبيح الحصى في كفه (صلى الله عليه وآله) إلى غير ذلك من المعجزات وخوارق العادات، وكان غرضه (عليه السلام) من هذا الكلام دفع ما خلد في قلب فتح بن يزيد من لحوق الضرر به (عليه السلام) من جانب الطاغي المأمون.
(فتلطفت في الوصول إليه) لطف بالضم: رفق، وتلطفوا: رفقوا (فوصلت وسلمت عليه فرد علي السلام ثم قال: يا فتح من أرضى الخالق) بالإتيان بما يوجب القرب منه ورضاه وإكرامه وإحسانه (لم يبال بسخط المخلوق) عليه وعدم رضاه عنه; لعلمه بأن المخلوق لا يضره مع رضا الخالق; لأن من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن آثر محامد الله على محامد الناس كفاه الله مؤونة الناس، وعلى تقدير إضراره فإنما إضراره في هذه الحياة الدنيا ولا قدر لها بالنظر إلى البقاء الأخروي الأبدي كما قال سحرة فرعون عند وعيده بالقتل والصلب: (لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون) فلم يبالوا بوعيده وإضراره لعلمهم بأنهم عند الله في زمرة المقربين. وكأنه (عليه السلام) عرف أن الغرض من وصول الفتح إليه أن يعرف حقيقة قوله (عليه السلام) من اتقى الله فإن هذا الكلام في الحقيقة تفسير له.
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»
الفهرست