شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٤٩
الوجود أو أعدامها; لأن فيه صرفا لها من الوجود إلى العدم، ولفظة قيل ظرف لقوله «لم يزل ولا يزال» أي لم يزل قبل بدء الدهور، ولا يزال بعد صروف الأمور أو لقوله «وحدانيا» أي هو واحد لا يشاركه أحد في ذاته ووجوده وصفاته وأفعاله وتدبيره قبل بدء الدهور وبعد صروف الأمور، ولما أشار بهذا إلى أنه باق أبدا أشار إلى سلب ما ينافي بقاءه للتأكيد والتقرير بقوله:
(الذي لا يبيد ولا ينفد) أي لا يهلك ولا ينفد وجوده; لأن الهلاك والنفاد من صفات الممكن الذي هو في مرتبة ذاته باعتبار اتصافه بوصف الإمكان موصوف بالعدم والبطلان، والحق الثابت بالذات بريء عن الاتصاف بأمثال هذه الصفات.
(بذلك أصف ربي) أي بما ذكرته من الثناء والتوحيد والتنزيه أصف ربي لا بما ذكره الواصفون المشبهون له بخلقة. ولما ظهر مما ذكر أنه المستحق للصفات الإلهية والمستجمع لها بحيث لا يوجد شيء منها في غيره أشار إلى التصريح بتفرده بها وتوحده بمقتضاها بقوله: (فلا إله إله الله) ثم وصفه بالعظمة والجلال، والغلبة على الإطلاق على سبيل التعجب بقوله: (من عظيم ما أعظمه، ومن جليل ما أجله، ومن عزيز ما أعزه) للتنبيه على أن أحدا لا يقدر على معرفة حقيقة هذه الصفات وجلالة قدرها، ولإشعار بأنه وجب الانقياد له والإيمان به والطاعة له، ولفظة «من» بيان وتفسير لقوله «الله» وترجمة عنه.
(وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا) تنزيه لجناب الحق عما ينشب إليه المبتدعة من التشبه والتجسم والتصور بصورة وغير ذلك من الأقاويل الكاذبة وهؤلاء متشاركون في إنكار الصانع مثل الملاحدة وإن لم يصرحوا بإنكاره; لأن الثابت بزعمهم ليس بصانع، والصانع الحق ليس بثابت عندهم.
* الأصل:
وهذه الخطبة من مشهورات خطبه (عليه السلام) حتى لقد ابتذلها العامة وهي كافية لمن طلب علم التوحيد إذا تدبرها وفهم ما فهم، فلو اجتمع ألسنة الجن والانس ليس فيها لسان نبي على أن يبينوا التوحيد بمثل ما أتى به - بأبي وأمي - ما قدروا عليه، ولو لا إبانته (عليه السلام) ما علم الناس كيف يسلكون سبيل التوحيد. ألا ترون إلى قوله: «لا من شيء كان ولا من شيء خلق ما كان» فنفى بقوله: «لا من شيء كان» معنى الحدوث وكيف أوقع على ما أحدثه صفة الخلق والاختراع بلا أصل ولا مثال، نفيا لقول من قال: إن الأشياء كلها محدثة بعضها من بعض وإبطالا لقول الثنوية الذين زعموا أنه لا يحدث شيئا إلا من أصل ولا يدبر إلا باحتذاء مثال، فدفع (عليه السلام) بقوله: «لا من شيء خلق ما كان» جميع حجج الثنوية وشبههم،; لأن أكثر ما يعتمد الثنوية في حدوث العالم أن يقولوا: لا يخلو من أن يكون الخالق
(١٤٩)
مفاتيح البحث: الهلاك (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»
الفهرست