شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٤٦
المحسوسات (1) وأما الأمور المعقولة فحكمه فيها كاذب فالعقل حال استفصاله وجه الحق فيها يكون معارضا بالأحكام الوهمية، فإذا كان المطلوب غامضا فربما كان في الأحكام الوهمية ما يشبه بعض أسباب المطلوب فيتصوره النفس بصورة الحق ويعتقده مبدأ للمطلوب فينتج الباطل في صورة المطلوب وليس به، ولما كان - تعالى شأنه - منزها عن القوة البدنية والأحكام الوهمية وكان علمه الكامل الأزلي الفعلي من كل وجه لذاته المقدسة، لم يجز أن تعرض له شبهة أو يدخل عليه شك لكونهما من عوارضها.
(لكن قضاء مبرم) أي بل إيجاد ما أوجده بدون الزيادة ودخول الشبهة عليه قضاء محكم وحكم موثق لا يحتمل الزيادة والنقصان (وعلم محكم) أي بريء من فساد الشبهة والشك والغلط، وهو إشارة إلى قدره الذي هو العلم الأزلي بوجود الكائنات على مقاديرها ومنافعها وخواصها وآثارها على ما هي عليه في نفس الأمر، وهذا كالأساس لبناء القضاء أعني خلق الأشياء وإيجادها في الأعيان، فالقضاء تابع للقدر كما أن بناء الباني بيتا تابع لتقديره أولا ذلك البيت ووضعه وهيئته ومقداره في نفسه، إلا أن الباني لقصور علمه قد يسنح له في أثناء البناء تغيير بعض ما قدره أولا، والصانع الحق لكمال علمه يوجد ما قدره أزلا من غير تغيير وتبديل وزيادة ونقصان.
(وأمر متقن) أي محكم لا يرد، لكونه واقعا على وفق الحكمة والمصلحة.
(توحد بالربوبية) أي تفرد بالربوبية المطلقة والتدبير في نظام العالم لا يشاركه أحد; إذ كل رب ومالك سواه فإنما تثبت له هذه الصفة بالإضافة إلى بعض الأشياء وهو مربوب مملوك له تعالى شأنه.

1 - قوله: «إلا في المحسوسات» قال صدر المتألهين (قدس سره) لأنه - أي الوهم - لا يصدق حكم العقل إلا في المحسوسات لا في المعقولات فيعارضه ويدخل الشبهة عليه في المعقولات المحضة ولا يصدقه، فالعقل حال استفصاله وجه الحق فيها يكون معارضا بالأحكام الوهمية، فإذا كان المطلوب غامضا فربما كان في الأحكام الوهمية ما يشبه بعض أسباب المطلوب فيتصور النفس بصورته ويعتقد لما ليس بمبدأ فينتج الباطل في صورة المطلوب وليس به، ولما كان الباري جل مجده منزها عن صحبة القوى المتعلقة بالأبدان التي رئيسها الوهم وكان علمه لذاته، لم يجز أن يعرض لقضائه ولا لقدره وصمة شبهة أو يدخل عليه عيب شك وريب لكونهما من عوارض المعقول المقترنة بها، انتهى.
ولا تتوهمن أن اقتباس المعنى ونقل عبارة الصدر عيب على الشارح وغيره من الشراح أو طعن فيهم وإن لم ينسبوا إليه; إذ من المعلوم أن المؤلف مطلقا يحتاج إلى ذكر ما سبقه إليه غيره في كتابه لتأييد أو رد أو توضيح فيكتفي بنقل عبارته من غير تغيير، وإنما العيب أن يذكر شيئا بديعا لغيره وينسبه إلى نفسه صريحا، ولم يصرح الشارح هنا بأن ما ذكره هنا من مستنبطات خاطره، ونقل كلام صدر المتألهين يدل على كثرة ممارسته لشرحه وفهمه غوامض تحقيقاته وأسرار أفكاره واختياره منه ما يناسب كتابه، وهذا من أعلى مدارج الكمال لا يوفق له إلا الأوحدي من الناس والاستخبار من الخبير كالاغتراف من البحر ليس دون شأن المرتاد. (ش)
(١٤٦)
مفاتيح البحث: الباطل، الإبطال (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»
الفهرست