المحسوسات (1) وأما الأمور المعقولة فحكمه فيها كاذب فالعقل حال استفصاله وجه الحق فيها يكون معارضا بالأحكام الوهمية، فإذا كان المطلوب غامضا فربما كان في الأحكام الوهمية ما يشبه بعض أسباب المطلوب فيتصوره النفس بصورة الحق ويعتقده مبدأ للمطلوب فينتج الباطل في صورة المطلوب وليس به، ولما كان - تعالى شأنه - منزها عن القوة البدنية والأحكام الوهمية وكان علمه الكامل الأزلي الفعلي من كل وجه لذاته المقدسة، لم يجز أن تعرض له شبهة أو يدخل عليه شك لكونهما من عوارضها.
(لكن قضاء مبرم) أي بل إيجاد ما أوجده بدون الزيادة ودخول الشبهة عليه قضاء محكم وحكم موثق لا يحتمل الزيادة والنقصان (وعلم محكم) أي بريء من فساد الشبهة والشك والغلط، وهو إشارة إلى قدره الذي هو العلم الأزلي بوجود الكائنات على مقاديرها ومنافعها وخواصها وآثارها على ما هي عليه في نفس الأمر، وهذا كالأساس لبناء القضاء أعني خلق الأشياء وإيجادها في الأعيان، فالقضاء تابع للقدر كما أن بناء الباني بيتا تابع لتقديره أولا ذلك البيت ووضعه وهيئته ومقداره في نفسه، إلا أن الباني لقصور علمه قد يسنح له في أثناء البناء تغيير بعض ما قدره أولا، والصانع الحق لكمال علمه يوجد ما قدره أزلا من غير تغيير وتبديل وزيادة ونقصان.
(وأمر متقن) أي محكم لا يرد، لكونه واقعا على وفق الحكمة والمصلحة.
(توحد بالربوبية) أي تفرد بالربوبية المطلقة والتدبير في نظام العالم لا يشاركه أحد; إذ كل رب ومالك سواه فإنما تثبت له هذه الصفة بالإضافة إلى بعض الأشياء وهو مربوب مملوك له تعالى شأنه.