شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٤٥
تعلق الإرادة والمشية وتدبيره يعود إلى تصريفه جميع الذوات والصفات وغيرها مما يناسب كل شيء ويليق به دائما تصريفا كليا وجزئيا على وفق حكمته وعنايته وإنما قال: ما ابتدأ ليكون سلب الثقل والأعياء عنه أبلغ; إذ ما ابتدئ من الأفعال يكون المشقة فيه أتم كما يرشد إليه قوله تعالى:
(أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى بلى إنه على كل شيء قدير).
(ولا من عجز ولا من فترة بما خلق اكتفى) «من» علة ل‍ «اكتفى»، وبما خلق متعلق بمدخولها أو ب‍ «اكتفى»، والعجز والفترة متقاربان في المفهوم ولا يبعد أن يكون أحدهما لضعف القوة الفاعلية والآخر لضعف القوة الآلية أو يكون أحدهما لضعفهما والآخر لضعف العلم وقصوره عن تصور ما يريد العالم فعله، والحاصل أنه ليس الاقتصار على ما خلقه لعجزه عن الزائد وفتوره بسبب ما خلقه عن خلق ما سواه; لأن العجز والفتور من جهة تناهي القوة الجسمية وانفعالها وتأثرها مما يمانعها في التأثير، وهو منزه عن جميع ذلك (علم ما خلق وخلق ما علم) يعني علم في الأزل ما خلقه وخلق ما علمه في الأزل، والحاصل أن الاكتفاء بما خلق ليس لأجل العجز والفتور بل لأجل المصلحة واقتضاء الحكمة إذ كل ما قدره في الوجود من الممكنات فهو على طبق مصلحته ووفق حكمته بحيث لو زاد على ذلك المقدار لاختل نظام الكل بل نظام كل واحد، فالاكتفاء بما خلق لوقوعه على وجه الحكمة والنظام الأتم الأكمل الذي ليس في الإمكان أن يكون على أتم منه وأحسن، ومن اعتبر القابلية والاستعداد في الإيجاد وإفاضة الوجود فهو يقول: الاكتفاء بما خلق دون الزايد عليه إنما هو لنقص في القابل لا لقصور في الفاعل لأنه مفيض الخير والجود والوجود من غير بخل ولا منع ولا تعويق على كل قابل بقدر ما يقبله ويستعد له، فكل ما أوجده أوجده لكونه قابلا مستعدا له. وكل ما لم يوجد لم يوجده لعدم كونه قابلا مستعدا له صالحا لإفاضة الوجود عليه.
(لا بالتفكير في علم حادث أصاب ما خلق) يعني خلق ما علم في الأزل وجه صلاحه لا بالرؤية والتفكر في تحصيل علم حادث أصاب جل شأنه بذلك العلم الحادث ما خلق وعلم وجه الصواب في خلقه لاستحالة أن يكون له علم حادث وإلا لكان جاهلا قبل حدوثه وإنه باطل، ولأن التفكر من لواحق النفوس البشرية بآلة بدنية وقد تنزه قدسه تعالى عن ذلك.
(ولا شبهة دخلت عليه فيما لم يخلق) وصار ذلك منشأ لعدم خلقه إياه بل عدم خلقه لعلمه بأنه لا مصلحة في وجوده. وفيه إشارة إلى كمال علمه وامتناع طريان الشبهة عليه. وسر ذلك أن الشبهة إنما تعرض العقل في الأمور المعقولة الصرفة الغير الضرورية; وذلك لأن الوهم لا يصدق حكمه إلا في
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»
الفهرست