شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٤٤
القابلة في حد الذات للزوال والنقصان، ولما ثبت تنزهه تعالى عن ذلك لم يتصور أن يكون الغرض من إيجاده رفع ذلك الخوف عن نفسه (ولا استعانة على ضد مناو) أي معاد، من «ناوأه» مهموز اللام:
إذا عاداه، قال الجوهري: ناوأت الرجل مناوءة ونواء عاديته يقال: إذا ناوأت الرجال فاصبر. وربما لهم يهمز وأصله الهمز. وفي بعض النسخ على ضد مثاور بالثاء المثلثة بعد الميم والراء المهملة بعد الواو أي مواثب من ثار به الناس إذا وثبوا عليه (ولا ند مكاثر) أي متعرض للغلبة عليه، يقال:
كاثرناهم فكثرناهم أي غلبناهم بالكثرة، والضد والند في اللغة بمعنى المثل والنظير، ولا يبعد أن يراد هنا بالأول أعم من المساوي والأدون بقرينة ذكر المعادة معه إذ المعاداة قد تكون من الأدون وبالثاني أعم من المساوي والأعلى بقرينة ذكر الغلبة معه إذ الغلبة تكون من الأعلى غالبا (ولا شريك مكابر) يطلب الكبر والعظمة عليه وكل ذلك لانتفاء مبدأ الاستعانة وهو العجز فيه; لأن العجز من تناهي القوة والقدرة وقدس الحق منزه عنه أيضا لا ضد ولا ند ولا شريك له حتى يحتاج في دفعهم إلى الاستعانة بغيره من مخلوقاته، وفيه تنزيه له تعالى عن صفات المخلوقين وخواص المحدثين.
ولما نفى أن يكون الغرض من الإيجاد ما ذكر، أشار إلى ما هو الغرض منه بقوله: (لكن خلايق مربوبون وعباد داخرون) الدخور: الصغار والذل، يعني: لكنهم خلايق مربوبون لهم رب قاهر وعباد ذليلون لهم معبود غالب. والحاصل أنه خلقهم ورباهم من حد النقص إلى حد الكمال لإظهار ربوبيته وإعلان قدرته وطلب منهم العبادة وحثهم على طاعته فقال: (يا عباد فاتقون) فيجب على الكل أن يرتبط بربقة الذلة والمسكنة والحاجة إليه، وينادي بلسان الحال والمقال بالثناء المطلق عليه، وفيه جذب للخلق بذكر جذب المربوبية والعبودية والدخور إلى ما خلقوا لأجله كما قال سبحانه: (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون).
(فسبحان الذي لا يؤوده خلق ما ابتدأ ولا تدبير ما برأ) كما قال سبحانه: (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن) وذلك لأن إيجاده وتدبيره ليس بتحريك آلة جسمانية ولا استعمال روية نفسانية حتى يعرض له الثقل والكلال، إنما هو بمجرد العلم بالمصلحة (1) ومحض

1 - قوله: «بمجرد العلم بالمصلحة» وهو معنى الإرادة بالنسبة إلى الله تعالى فإن قيل: هذا يستلزم أن يكون الواجب تعالى موجبا مضطرا لأنه إذا صدر الفعل عنه بمجرد علمه بالمصلحة كان نظير السقوط لمن هو على جذع بمجرد توهم السقوط وسيلان لعاب الفم بمجرد تصور الحموضة. قلنا: الغرض أن إرادته تعالى ليس باضطراب نفس واستعمال روية وليس فعله تعالى نظير المثالين بل فعله باختياره وإن لم يتوقف على ترديد سابق أو حصول عزم جديد بل أراد من الأزل ما أراد من غير لبث وتأمل وهمامة نفس وفكر وأمثال ذلك، ولا نوافق من يقول العلة التامة لا يكون مختارا في فعله والقديم الزماني لا يكون فعلا للقادر المختار. (ش)
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»
الفهرست