شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٣٨
فالمقدم مثله، أما بطلان التالي فلاستحالة افتقار الواجب إلى الغير وتعينه به وامتناع دخوله في معلوله وكونه جزءا منه (ولم ينأ) أي لم يبعد (عنها فيقال هو منها بائن) أي هاجر بعيد بتراخي مسافة لأنه تعالى أقرب إلى كل شيء من نفسه ويحتمل أن يكون المراد بهاتين الفقرتين أنه لما كان الكون في المحل والنأي عنه والمباينة له أمورا إنما يقال على ما يصح حلوله فيه كان هو الله تعالى منزها عن الحلول وجب أن يمتنع عليه إطلاق هذه الأمور وإذ ليس هو بحال في الأشياء فليس هو بكائن فيها، وإذ ليس بكائن فيها فليس بناء عنها ولا مبائن لها (ولم يخل منها فيقال له أين) لما كان عدم خلوه من شيء من الأشياء سببا لعدم حصوله في أين ودليلا على عدم تحيزه، بحيز إذ الحاصل في أين والكائن في حيز قريب من بعض الأشياء وبعيد خال عن بعض آخر بالضرورة كان خلوه من الأشياء سببا لحصوله في أين وتحيزه بحيز، ودليلا عليه; لأن انتفاء السبب دليل على انتفاء المسبب فصح التفريع على المنفي وبعبارة أخصر هو مع كل شيء ولم يخل من شيء ما حتى يقال: أين هو (لكنه سبحانه أحاط بها علمه) إشارة إلى أن عدم خلوه من الأشياء عبارة عن إحاطة علمه بكلياتها وجزئياتها ومستقبلها وماضيها ونفوذه في كل مستتر وغايب بحيث لا يستره ساتر ولا يحجبه حاجب حتى أنه يعلم ما دق من عقائد القلوب وأسرار الصدور وشخوص لحظة وصدور لفظة وانبساط خطوة وحسيس نملة في ليل داج وغسق ساج (وأتقنها صنعه) (1) على وفق الحكمة في أكمل نظام وأفضل قوام وأحسن أحوال وأزين أشكال بحيث يتحير فيه فحول الحكماء وعقول العلماء، سبحانه أعطى كل شيء خلقه وأحكم به أمره (وأحصاها حفظه) نبه بذلك على إحاطة حفظه بجميع الأشياء تفصيلا وشمول علمه بها كما وكيفا وإحصائه لها عددا كما قال: (لقد أحصاهم وعدهم عدا). وقال: (وأحصى كل شيء عددا) وفيه انجذاب للنفوس البشرية من مقتضيات الطبيعة الناسوتية إلى الطاعة والانقياد له والميل إليه والردع

1 - قوله: و «أتقنها صنعه» كأنه (عليه السلام) ذكره دليلا على ثبوت علمه بكل شيء فإنا إذا رأينا الحكم والمصالح التي راعاها المبدىء الحكيم في كل عضو وتركيب من بدن الحيوان وغيره حكمنا بأن الفاعل عالم بما فعل وبما هو صالح أن يكون كل شيء عليه. وهذا لا يمكن إلا بالعلم بجميع الأمور من خواص المقادير وتركيب الطبايع والعناصر والمزاجات وغيرها. (ش)
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»
الفهرست