له أن يعطيه الله تعالى فهم الصور الكلية وحفظها لأن الصور الجزئية لا تحتاج إلى مثل هذا الدعاء، فإن فهمها وحفظها ممكن لأكثر الصحابة من العوام وغيرهم، وإنما الصعب المحتاج إلى الدعاء بأن يفهمه ويعيه الصدر ويستعد الذهن لقبوله هو القوانين الكلية وكيفية انشعابها وتفصيلها وأسبابها المعدة لإدراكها حتى إذا استعدت النفس بها أمكن أن ينتقش فيها الصور الجزئية من مفيضها والله سبحانه أعلم.
(وما ترك شيئا علمه الله من حلال وحرام ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته فلم أنس حرفا واحدا) قيل: ينبغي أن يعلم أن التعلم الحاصل له من قبله (صلى الله عليه وآله) ليس في صورة جزئية ووقائع جزئية بل معناه إعداد نفسه القدسية على طول الصحبة من حين كان طفلا إلى أن توفي الرسول (صلى الله عليه وآله) لهذه العلوم التامة وكيفية تعلم السلوك وأسباب تطويع النفس الأمارة إلى النفس المطمئنة حتى استعدت نفسه الشريفة للانتقاش بالامور الغيبية والصور الكلية الكائنة والامور الجزئية المندرجة تحتها، فأمكنه الإخبار عنها وبها.
وقيل: ما تضمنه هذا الحديث من تعليمه (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) ما كان وما يكون يمكن حمله على الأحكام الشرعية في المسائل الكائنة والمتجددة، ويمكن حمله على بعض المغيبات التي أطلع الله تعالى رسوله (صلى الله عليه وآله) عليها، وقد دل الأخبار وكلام أصحاب السير من الخاص والعام على أن عليا (عليه السلام) كان عالما بالامور المغيبات وأخبر بكثير منها، وروي أنه (عليه السلام) بعد ما أخبر ببعض الحروب والقتال والوقائع التي تقع بعده (عليه السلام) قال له بعض أصحابه: لقد اعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب فضحك (عليه السلام) وقال للرجل وكان كلبيا: يا أخا كلب، ليس هو بعلم غيب وإنما علم الغيب علم الساعة وما عده الله سبحانه بقوله: (إن الله عنده علم... الساعة الآية) فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو انثى وقبيح أو جميل وسخي أو بخيل وشقي أو سعيد ومن يكون للنار حطبا أو في الجنان للنبيين مرافقا، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله وما سوى ذلك علم علمه الله رسوله (صلى الله عليه وآله) فعلمنيه ودعا لي بأن يعيه صدري ويضطم (1) عليه جوارحي (2).
وفي بعض النسخ: جوانحي.