فإن عدم نظرنا إلى أحد مستلزم لهذه الامور، وأمثال هذه الأفعال إذا نسبت إلى من لا يجوز فيه إرادة الحقيقة يراد بها اللوازم والغايات، فليس المراد بعدم النظر عدم الرؤية لأنه تعالى يراه كما يرى غيره، ولا يخفى عليه شيء ولا عدم تقليب الحدقة إلى جانب المرئي طلبا لرؤيته; لأن هذا السلب ثابت له تعالى بالنسبة إلى الجميع باعتبار أن التقليب المذكور من صفات الأجسام والله سبحانه منزه عنها.
والوجه في عدم نظره إليه أن استحقاق العبد للكرامة يوم القيامة ليس باعتبار أنه خلق الله ولا باعتبار جسمه وحسن صورته وكثرة أمواله وأولاده وعشيرته، بل إنما هو لصفاء قلبه وإحاطته بالمعارف الإلهية واتصافه بالصور العلمية وإذعانه بالشرائع النبوية وانقياده للأحكام الشرعية، فكل من كان فيه شيء منها كان أبدا منعوتا بالحرمان موصوفا بالخذلان، ويرشد إليه أيضا ما روي من طريق العامة عنه (صلى الله عليه وآله) قال: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إلى قلوبكم ونياتكم وأعمالكم» (1).
(ولم يزك له عملا) أي لم يقبل له عملا; لأن قبول العمل لازم لتزكيته عن شوائب النقصان وانتفاء اللازم لانتفاء الملزوم، أو لم يوفق له في تزكيته لعدم استعداده لذلك، كيف وتزكية العمل متوقفة على العلم بكماله ونقصانه وشرائطه إلى غير ذلك من الامور المعتبرة فيه والمفسدة له، والمفروض أنه جاهل بجميع ذلك؟
* الأصل:
8 - محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن أبان ابن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لوددت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا».
* الشرح:
(محمد بن إسماعيل) هذا الاسم مشترك بين ثلاثة عشر رجلا، ثلاثة منهم ثقات معتمدون، وهم محمد بن إسماعيل بزيع، ومحمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني، ومحمد بن إسماعيل بن أحمد البرمكي، والعشرة الباقية لم يوثق علماء الرجال أحدا منهم، ولما اتفق علماؤنا على تصحيح ما يرويه المصنف عن محمد بن إسماعيل (2)، وكان الظاهر أن روايته عنه بلا واسطة ولا