واعلم أنك خلقت للآخرة لا للدنيا وللفناء لا للبقاء وللموت لا للحياة وأنك في منزل قلعة ودار بلغة (1) وطريق إلى الآخرة، إنك طريد الموت الذي لا ينجو [منه] هاربه ولابد أنه يدركك يوما، فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك فيها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك فإذا أنت قد أهلكت نفسك.
أي بني أكثر ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتفضي بعد الموت إليه واجعله أمامك حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك (2) ولا يأخذك على غرتك. وأكثر ذكر الآخرة وما فيها من النعيم والعذاب الأليم، فإن ذلك يزهدك في الدنيا ويصغرها عندك. وقد نبأك الله عنها ونعت لك نفسها (3) وكشفت عن مساويها، فإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلها إليها وتكالبهم عليها (4)، وإنما أهلها كلاب عاوية وسباع ضارية، يهر بعضها على بعض (5)، يأكل عزيزها ذليلها وكبيرها صغيرها، قد أضلت أهلها عن قصد السبيل وسلكت بهم طريق العمى (6) وأخذت بأبصارهم عن منهج الصواب فتاهوا في حيرتها (7) وغرقوا في فتنتها. واتخذوها ربا فلعبت بهم ولعبوا بها ونسوا ما وراءها.
فإياك يا بني أن تكون قد شانته كثرة عيوبها، (8) نعم معقلة وأخرى مهملة