يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر.
يا بني إسرائيل قلة المنطق حكم عظيم فعليكم بالصمت، فإنه دعة حسنة وقلة وزر وخفة من الذنوب (1) فحصنوا باب العلم، فإن بابه الصبر. وإن الله يبغض الضحاك من غير عجب، والمشاء إلى غير أدب، ويجب الوالي الذي يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته. فاستحيوا الله في سرائركم كما تستحيون الناس في علانيتكم. واعلموا أن كلمة الحكمة ضالة المؤمن فعليكم بها قبل أن ترفع، ورفعها أن تذهب رواتها.
يا صاحب العلم عظم العلماء لعلمهم ودع منازعتهم (2)، وصغر الجهال لجهلهم ولا تطردهم ولكن قربهم وعلمهم. يا صاحب العلم اعلم أن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ عليها.
يا صاحب العلم اعلم أن كل معصية عجزت عن توبتها بمنزلة تعاقب بها.
يا صاحب العلم كرب (3) لا تدري متى تغشاك فاستعد لها قبل أن تفجأك.
وقال عليه السلام لأصحابه: أرأيتم لو أن أحدا مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن عورته، أكان كاشفا عنها أم يرد على ما انكشف منها؟ قالوا: بل يرد على ما انكشف منها، قال: كلا بل تكشفون عنها، فعرفوا أنه مثل ضربه لهم، فقالوا: يا روح الله وكيف ذاك؟ قال: ذاك الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها.
بحق أقول لكم: أعلمكم لتعلموا ولا أعلمكم لتعجبوا بأنفسكم. إنكم لن تنالوا ما تريدون إلا بترك ما تشتهون. ولن تظفروا بما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون.
إياكم والنظرة، فإنها تزرع في القلوب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة. طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل قلبه في نظر عينه (4). لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب وانظروا في عيوبهم كهيئة عبيد الناس. إنما الناس رجلان مبتلى ومعافى، فارحموا المبتلى واحمدوا الله على العافية.