يا بني إسرائيل أما تستحيون من الله، إن أحدكم لا يسوغ له شرابه حتى يصفيه من القذى ولا يبالي أن يبلغ أمثال الفيلة من الحرام. ألم تسمعوا أنه قيل لكم في التورية: " صلوا أرحامكم وكافئوا أرحامكم " وأنا أقول لكم: صلوا من قطعكم وأعطوا من منعكم وأحسنوا إلى من أساء إليكم وسلموا على من سبكم وأنصفوا من خاصمكم واعفوا عمن ظلمكم كما أنكم تحبون أن يعفى عن إساءتكم، فاعتبروا بعفو الله عنكم، ألا ترون أن شمسه أشرقت على الأبرار والفجار منكم وأن مطره ينزل على الصالحين والخاطئين منكم، فإن كنتم لا تحبون إلا من أحبكم ولا تحسنون إلا إلى من أحسن إليكم ولا تكافئون إلا من أعطاكم فما فضلكم إذا على غيركم وقد يصنع هذا السفهاء الذين ليست عندهم فضول (1) ولا لهم أحلام. ولكن إن أردتم أن تكونوا أحباء الله وأصفياء الله فأحسنوا إلى من أساء إليكم واعفوا عمن ظلمكم وسلموا على من أعرض عنكم، اسمعوا قولي واحفظوا وصيتي وارعوا عهدي كيما تكونوا علماء فقهاء.
بحق أقول لكم: إن قلوبكم بحيث تكون كنوزكم (2) - ولذلك الناس يحبون أموالهم وتتوق إليها أنفسهم (3) - فضعوا كنوزكم في السماء حيث لا يأكلها السوس ولا ينالها اللصوص.
بحق أقول لكم: إن العبد لا يقدر على أن يخدم ربين ولا محالة أنه يؤثر أحدهما على الآخر وإن جهد، كذلك لا يجتمع لكم حب الله وحب الدنيا.
بحق أقول لكم: إن شر الناس لرجل عالم آثر دنياه على علمه فأحبها وطلبها وجهد عليها حتى لو استطاع أن يجعل الناس في حيرة لفعل، وماذا يغني عن الأعمى سعة نور الشمس وهو لا يبصرها، كذلك لا يغني عن العالم علمه إذ هو لم يعمل به. ما أكثر ثمار الشجر وليس كلها ينفع ويؤكل. وما أكثر العلماء وليس كلهم ينتفع بما علم. وما أوسع