طيب ريح حنوطه وبياض أكفانه وكل ذلك يكون في التراب، كذلك لا يغني عنكم بهجة دنياكم التي زينت لكم وكل ذلك إلى سلب وزوال. ماذا يغني عنكم نقاء أجسادكم وصفاء ألوانكم وإلى الموت تصيرون وفي التراب تنسون وفي ظلمة القبر تغمرون.
ويلكم يا عبيد الدنيا تحملون السراج في ضوء الشمس وضوؤها كان يكفيكم وتدعون أن تستضيئوا بها في الظلم ومن أجل ذلك سخرت لكم، كذلك استضأتم بنور العلم لأمر الدنيا وقد كفيتموه وتركتم أن تستضيئوا به لأمر الآخرة ومن أجل ذلك أعطيتموه. تقولون: إن الآخرة حق وأنتم تمهدون الدنيا. وتقولون: إن الموت حق وأنتم تفرون منه. وتقولون: إن الله يسمع ويرى ولا تخافون إحصاءه عليكم وكيف يصدقكم من سمعكم فإن من كذب من غير علم أعذر ممن كذب على علم وإن كان لا عذر في شئ من الكذب.
بحق أقول لكم: إن الدابة إذا لم ترتكب ولم تمتهن (1) وتستعمل لتصعب ويتغير خلقها وكذلك القلوب إذا لم ترفق بذكر الموت وتتعبها دؤوب العبادة (2) تقسو وتغلظ. ماذا يغني عن البيت المظلم أن يوضع السراج فوق ظهره وجوفه وحش مظلم، كذلك لا يغني عنكم أن يكون نور العلم بأفواهكم وأجوافكم منه وحشة معطلة، فأسرعوا إلى بيوتكم المظلمة فأنيروا فيها، كذلك فأسرعوا إلى قلوبكم القاسية بالحكمة قبل أن ترين عليها الخطايا فتكون أقسى من الحجارة، كيف يطيق حمل الأثقال من لا يستعين على حملها؟ أم كيف تحط أوزار من لا يستغفر الله منها، أم كيف تنقى ثياب من لا يغسلها؟ وكيف يبرأ من الخطايا من لا يكفرها؟ أم كيف ينجو من غرق البحر من يعبر بغير سفينة؟ وكيف ينجو من فتن الدنيا من لم يداوها بالجد والاجتهاد؟ وكيف يبلغ من يسافر بغير دليل، وكيف يصير إلى الجنة من لا يبصر معالم الدين وكيف ينال مرضات الله من لا يطيعه، وكيف يبصر عيب وجهه من لا ينظر في المرآة؟ وكيف يستكمل