يا هشام إن مثل الدنيا مثل الحية مسها لين وفي جوفها السم القاتل، يحذرها الرجال ذووا العقول ويهوي إليها الصبيان بأيديهم.
يا هشام اصبر على طاعة الله واصبر عن معاصي الله، فإنما الدنيا ساعة، فما مضى منها فليس تجد له سرورا ولا حزنا. وما لم يأت منها فليس تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت (1).
يا هشام مثل الدنيا مثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله.
يا هشام إياك والكبر، فإنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر.
الكبر رداء الله، فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار على وجهه.
يا هشام ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسنا استزاد منه.
وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب إليه.
يا هشام تمثلت الدنيا للمسيح عليه السلام في صورة امرأة زرقاء فقال لها: كم تزوجت؟
فقالت: كثيرا، قال: فكل طلقك؟ قالت: لا بل كلا قتلت. قال المسيح عليه السلام: فويح لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين.
يا هشام إن ضوء الجسد في عينه، فإن كان البصر مضيئا استضاء الجسد كله. وإن ضوء الروح العقل، فإذا كان العبد عاقلا كان عالما بربه وإذا كان عالما بربه أبصر دينه. وإن كان جاهلا بربه لم يقم له دين. وكما لا يقوم الجسد إلا بالنفس الحية، فكذلك لا يقوم الدين إلا بالنية الصادقة، ولا تثبت النية الصادقة إلا بالعقل.
يا هشام إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا (2). فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبر الجبار، لان الله جعل التواضع آلة العقل وجعل التكبر من آلة الجهل، ألم تعلم أن من شمخ إلى السقف (3) برأسه