تحف العقول - ابن شعبة الحراني - الصفحة ٣٩٨
بعد مقته دنياك ولا آخرتك. وكن في الدنيا كساكن دار ليست له، إنما ينتظر الرحيل.
يا هشام مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة. ومشاورة العاقل الناصح يمن وبركة ورشد وتوفيق من الله، فإذا أشار (1) عليك العاقل الناصح فإياك والخلاف فإن في ذلك العطب (2).
يا هشام إياك ومخالطة الناس والانس بهم إلا أن تجد منهم عاقلا ومأمونا فآنس به واهرب من سايرهم كهربك من السباع الضارية (3). وينبغي للعاقل إذا عمل عملا أن يستحيي من الله. وإذا تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله أحدا غيره (4). وإذا مر بك (5) أمران لا تدري أيهما خير وأصوب، فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه، فإن كثير الصواب في مخالفة هواك. وإياك أن تغلب الحكمة وتضعها في أهل الجهالة (6) قال هشام: فقلت له: فإن وجدت رجلا طالبا له غير أن عقله لا يتسع لضبط ما القي إليه؟
قال عليه السلام: فتلطف له في النصيحة، فإن ضاق قلبه [ف‍] - لا تعرضن نفسك للفتنة. واحذر رد المتكبرين، فإن العلم يدل على أن يملى على من لا يفيق (7). قلت: فإن لم أجد

(1) في بعض النسخ [فإذا استشار].
(2) العطب: الهلاك.
(3) الضاري: الحيوان السبع، من ضرا الكلب بالصيد يضرو: تعوده وأولع به. وأيضا:
تطعم بلحمه ودمه.
(4) أي إذا اختص العاقل بنعمة ينبغي له أن يشارك غيره في هذه النعمة بأن يعطيه منها. وفي بعض النسخ [إذ تفرد له].
(5) في بعض النسخ [وإذا خرجك أمران] وخر به أمر أي نزل به وأهمه.
(6) قال المجلسي - رحمه الله - كان فيه حذفا وايصالا أي تغلب على الحكمة أي يأخذها منك قهرا من لا يستحقها بأن يقرأ على صيغة المجهول أو على المعلوم أي تغلب على الحكمة فإنها تأبى عمن لا يستحقها. ويحتمل أن يكون بالفاء والتاء من الافلات بمعنى الاطلاق فإنهم يقولون: انفلت منى كلام أي صدر بغير رويه. وفي بعض النسخ المنقولة من الكتاب [وإياك أن تطلب الحكمة وتضعها في الجهال].
(7) الإفاقة: الرجوع عن الكسر والاغماء الغفلة إلى حال الاستقامة. وفي بعض النسخ [فان العلم يذل على أن يحمل على من لا يفيق] وفي بعضها [يجلى].
(٣٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 ... » »»
الفهرست