بحضرتك فناظرهم فيه ثم أمض ما يجتمع عليه أقاويل الفقهاء بحضرتك من المسلمين، فإن كل أمر اختلف فيه الرعية مردود إلى حكم الامام وعلى الامام الاستعانة بالله والاجتهاد في إقامة الحدود وجبر الرعية على أمره ولا قوة إلا بالله.
ثم انظر إلى أمور عمالك واستعملهم اختبارا ولا تولهم أمورك محاباة (1) و أثرة، فإن المحاباة والاثرة جماع الجور والخيانة وإدخال الضرورة على الناس وليست تصلح الأمور بالادغال (2) فاصطف لولاية أعمالك أهل الورع والعلم والسياسة، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الاسلام. فإنهم أكرم أخلاقا وأصح أعراضا وأقل في المطامع إشرافا وأبلغ في عواقب الأمور نظرا من غيرهم فليكونوا أعوانك على ما تقلدت. ثم أسبغ عليهم في العمالات ووسع عليهم في الأرزاق فإن في ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك (3) ثم تفقد إعمالهم وابعث العيون عليهم من أهل الصدق والوفاء، فإن تعهدك في السر أمورهم حدوة لهم (4) على استعمال الأمانة والرفق بالرعية. وتحفظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة فوسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة.
وتفقد ما يصلح أهل الخراج (5) فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لان الناس كلهم عيال على الخراج وأهله، فليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج فإن الجلب لا يدرك إلا بالعمارة. ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم له أمره إلا قليلا، فاجمع إليك أهل الخراج من كل بلدانك ومرهم فليعلموك حال بلادهم وما