تحف العقول - ابن شعبة الحراني - الصفحة ١٣٣
وليكن آثر رؤوس جنودك من وأساهم في معونته (1) وأفضل عليهم في بذله ممن يسعهم ويسع من ورائهم من الخلوف من أهلهم حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو. ثم واتر إعلامهم (2) ذات نفسك في إيثارهم والتكرمة لهم والأرصاد بالتوسعة.
وحقق ذلك بحسن الفعال والأثر والعطف، فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك.
وإن أفضل قرة العيون للولاة استفاضة العدل في البلاد (3) وظهور مودة الرعية لأنه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم. ولا تصح نصيحتهم إلا بحوطتهم على ولاة أمورهم (4) وقلة استثقال دولتهم وترك استبطاء انقطاع مدتهم (5). ثم لا تكلن جنودك إلى مغنم وزعته بينهم بل أحدث لهم مع كل مغنم بدلا مما سواه مما أفاء الله عليهم، تستنصر بهم به ويكون داعية لهم إلى العودة لنصر الله ولدينه. واخصص أهل النجدة (6) في أملهم إلى منتهى غاية آمالك من النصيحة بالبذل وحسن الثناء عليهم ولطيف التعهد لهم رجلا رجلا وما أبلى في كل مشهد، فإن كثرة الذكر منك لحسن فعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل إن شاء الله. ثم لا تدع أن يكون لك

(1) آثر أي أكرم وأفضل وأعلى منزلة. من واساهم أي ساعدهم وعاونهم. وأفضل عليهم أي أفاض وأحسن إليهم، فلا يقتر عليهم في الفرض ولا ينقص منهم شيئا ويجعل البذل شاملا لمن تركوهم في الديار. والخلوف - مضمومتين جمع خلف بفتح فسكون -: من يخلف في الديار من النساء والعجزة.
(2) واتر: أمر من المواترة وهي إرسال الكتب بعضها أثر بعض والاعلام: الاطلاع. ويحتمل أن يكون وآثر بالثاء: أمر من الافعال أي أكرم وفضل. والاعلام: جمع علم: سيد القوم ورئيسهم.
(3) الاستفاضة: الانتشار والاتساع. وفى النهج [الاستقامة].
(4) الحوطة: الحيطة: مصدر حاطه بمعنى حفظه وتعهده أي بحفظهم على ولاتهم وحرصهم على بقائهم.
(5) استثقل الشئ: عده وجده ثقيلا. واستبطأ الشئ: عده أوجده بطيئا، فيعدون زمنهم قصيرا.
(6) النجدة: الشدة والبأس والشجاعة. والناكل: الجبان الضعيف والمراد هنا المتأخر القاعد.
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست