كلمة طيبة فإن قرن الله ولايتهم بولايته فلا بدع، وإن قارنهم نبي العظمة بالكتاب الكريم في التمسك بهما، والاخذ بحجزتهما، وعدهما عكمى بعير في الثقل لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، فبالحق نطق وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
وإن عرفهم أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: نحن معدن العلم والحكمة، أمان لأهل الأرض، ونجاة لمن طلب، فإنا صنايع ربنا، والناس بعد صنايع لنا، إنا لأمراء الكلام وفينا تنشبت عروقه، وعلينا تهدلت غصونه، نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعدن العلم، وينابيع الحكم (1) إلى أمثال هذه الكلم من الكثير الطيب، فقد أعرب عن حقيقة ناصعة يخبت إليها الموالي، ولا تعزب عن المناوئ إن شاء وإن أبى.
ولقد قيض الله سبحانه في القرون الخالية أمة من أعلام الدين، وأساتذة العلم وأئمة الحديث، لجمع شتات تلكم الآثار والماثر، ولم شعثها لبغاة العلم، ورواد الفضيلة، وحملة العقل والنهى، فدونوا من كلم أولئك السادة أئمة أهل البيت عليهم السلام مجاميع ومسانيد وألفوا كتبا قيمة تحوى دررا وغررا، وتتضمن بين دفتيها ينابيع الحكم وجوامع الكلم وعقود العظات البالغة ومعاقد المنجيات والمهلكات.
وفي طليعة أولئك الأفذاذ وتآليفهم هذا الكتاب القيم الذي لا ريب فيه هدى للمتقين [تحف العقول] ومؤلفه الحبر الفقيه النيقد الأعظم، حسنة الدهر، ومفخرة العلم والفضيلة في القرن الرابع شيخنا أبو محمد الحسن بن علي بن حسين بن شعبة الحراني ولقد جمع فأوعى، وأفاد بإثارة علمه فأجاد، وأتحف العقول بفضله الجم، وأدبه الكثار، فجاء كتابه منية المريد، وبغية المحدث، وطلبة الباحث، ومأرب الواعظ الناصح، ونجعة المتكلم المصلح، فليس من البدع أن يكون كتابه في الطبقة العليا من موسوعات العلم والعمل، وقد عكفت عليه العلماء الأعلام منذ يوم تأليفه حتى شارف عصرنا الحاضر، ووصفوه في المعاجم والتراجم (2) بكل جميل ونصوا على اعتبار الكتاب واعتماد الأصحاب