كلمة طيبة رسول الكتاب والحكمة، وأوصياؤه المصطفون، تقصر لدى كلمهم الكلم، وعند حكمهم الحكم، ويعجز عن أن يأتي بمثلها الحكماء البلغاء من السلف والخلف، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، ويكل عن ندها لسان كل طلق ذلق، ويحسر عن وصفها بيان كل ذرب اللسان منطيق، ولا يبلغ مداه، ولا يسعه الاستكناه.
نعم تلكم الكلم الصادرة عن ينابيع الوحي الفياضة من أهل بيت العصمة:
تحف العقول. وهي آية في البلاغة والفصاحة والمتانة في اللفظ والمعنى، دون كلام الخالق وفوق مقال البشر، ومن أمعن فيها يجدها أقوى برهنة وأدل دليل على إمامة أولئك السادة القادة أئمة الكلام، ومداره الحكمة، ويراها أكبر معجز وأعظم كرامة لأولئك النفوس القدسية الطاهرة، تبقى مدى الأبد تذكر وتشكر.
وحسب أولئك الذرية الطيبة عظمة وفخرا ما خلده صدق منطقهم في الدهر من غرر الآثار، أو مآثر بثتها ألسنتهم مما نفث الله من الحكمة في روعهم، يفتقر إليها المجتمع البشري، وتصلح بها الأمة المسلمة، ويحتاج إليها كل حكيم بارع، وعاقل محنك، وخلقي كريم، وفيلسوف نابه، وعارف ناصح، وإمام مصلح. ولا مندح عنها لأي ابن أنثى إن عقل صالحه.
جير: متى ما سمعت كلمة قيمة تعزى إلى أحد من عظماء الدنيا تقرطت الآذان فثق بأنها من مستقى ذلك العذب النمير، ومهما قرعت سمعك حكمة بالغة أو موعظة حسنة تلوكها الأشداق فأيقن بأنها قطرة من ذلك البحر الطامي، وإن أعجبك صلاح أو صالح أخذ الامر بالأوثق فلتعلم أنهما ينتهيان إلى أولئك العترة الهادية عليهم صلوات من ربهم ورحمة.
إي ولعمر الله هم عيش العلم وموت الجهل، يخبر حلمهم عن علمهم، وظاهرهم عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختفون فيه، هم دعائم الاسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل (1).