وهو من الموت على يقين، ومن الحياة علي قلعة، وكيف لا يكون غناؤها فقرا وليس يصيب أحد منها شيئا إلا احتاج لذلك الشئ إلى شئ آخر يصلحه وإلى أشياء لابد له منها.
ومثل ذلك أن الرجل ربما يحتاج إلى دابة فإذا أصابها احتاج إلى علفها و قيمها ومربطها (1) وأدواتها، ثم احتاج لكل شئ من ذلك إلى شئ آخر يصلحه وإلى أشياء لابد له منها، فمتى تنقضي حاجة من هو كذلك وفاقته؟ وكيف لا يكون فرحها ترحا وهي مرصدة لكل من أصاب منها قرة عين أن يرى من ذلك الامر بعينه أضعافه من الحزن، إن رأى سرورا في ولده فما ينتظر من الأحزان في موته وسقمه وجايحة ان أصابته أعظم من سروره به، وإن رأى السرور في مال فما يتخوف من التلف أن يدخل عليه أعظم من سروره بالمال، فإذا كان الامر كذلك فأحق الناس بأن لا يتلبس بشئ منها لمن عرف هذا منها. وكيف لا يكون صحتها سقما وإنما صحتها من أخلاطها وأصح أخلاطها وأقربها من الحياة الدم، وأظهر ما يكون الانسان دما أخلق ما يكون صاحبه بموت الفجأة، والذبحة والطاعون (2) والآكلة والبرسام، وكيف لا يكون قوتها ضعفا وإنما تجمع القوى فيها ما يضره ويوبقه، وكيف لا يكون عزها ذلا ولم ير فيها عز قط إلا أورث أهله ذلا طويلا، غير أن أيام العز قصيرة، وأيام الذل طويلة، فأحق الناس بذم الدنيا لمن بسطت له الدنيا فأصاب حاجته منها فهو يتوقع كل يوم وليلة وساعة وطرفة عين أن يعدي على ماله فيجتاح، وعلى حميمه فيختطف وعلى جمعه فينهب، وأن يؤتى بنيانه من القواعد فيهدم، وأن يدب الموت إلى حشده فيستأصل، ويفجع بكل ما هو به ضنين.
فأذم إليك أيها الملك الدنيا الآخذة ما تعطي، والمورثة بعد ذلك التبعة، السلابة