وللعرض الذي قال الله عز وجل: " ثم عرضهم على الملائكة " معنيان أحدهما عرض أشخاصهم وهيئاتهم كما رويناه في باب أخبار أخذ الميثاق والذر، والوجه الاخر أن يكون عز وجل عرضهم على الملائكة من طريق الصفة والنسبة كما يقوله قوم من مخالفينا، فمن كلا المعنيين يحصل استعباد الله عز وجل الملائكة بالايمان بالغيبة.
وفى قوله عز وجل: " أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " حكم كثيرة:
أحدها أن الله عز وجل أهل آدم عليه السلام لتعليم الملائكة أسماء الأئمة عن الله تعالى ذكره، وأهل الملائكة لتعلم أسمائهم عن آدم عليه السلام، فالله عز وجل علم آدم وآدم علم الملائكة، فكان آدم في حيز المعلم وكانوا في حيز المتعلمين، هذا ما نص عليه القرآن.
وقول الملائكة: " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " فيه أصح دليل وأبين حجة لنا أنه لا يجوز لأحد أن يقول في أسماء الأئمة وأوصافهم عليهم السلام إلا عن تعليم الله جل جلاله، ولو جاز لأحد ذلك كان للملائكة أجوز، ولما سبحوا الله دل تسبيحهم على أن الشرع فيه مما ينافي التوحيد، وذلك أن التسبيح تنزيه الله عز وجل وباب التنزيه لا يوجد في القرآن إلا عند قول جاحد أو ملحد أو متعرض لابطال التوحيد والقدح فيه، فلم يستنكفوا إذ لم يعلموا أن يقولوا: " لا علم لنا " فمن تكلف علم مالا يعلم احتج الله عليه بملائكته، وكانوا شهداء الله عليه في الدنيا والآخرة، وإنما أهل الله الملائكة لاعلامهم على لسان آدم عند اعترافهم بالعجز و أنهم لا يعلمون فقال عز وجل: " يا آدم أنبئهم بأسمائهم ".
ولقد كلمني رجل بمدينة السلام (1) فقال لي: أن الغيبة قد طالت والحيرة قد اشتدت وقد رجع كثير عن القول بالإمامة لطول الأمد، فكيف هذا؟.
فقلت له: إن سنة الأولين في هذه الأمة جارية حذو النعل بالنعل كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله في غير خبر، وأن موسى عليه السلام ذهب إلى ميقات ربه على أن يرجع إلى قومه بعد ثلاثين ليلة فأتمها الله عز وجل بعشرة فتم ميقات ربه أربعين ليلة، و