الغريبة، وإذا صرت إلى أهل طاعتك ومعونتك وقرابتك وجدت لهم قوما يعملون عملا بأجر، يحرصون مع ذلك أن ينقصوك من العمل فيزدادوك من الاجر، و إذا صرت إلى أهل خاصتك وقرابتك صرت إلى قوم جعلت كدك وحدك (1) وكدحك ومهناك وكسبك لهم، فأنت تودي إليهم كل يوم الضريبة، وليس كلهم وان وزعت بينهم جميع كدك عنك براض فإن أنت حبست عنهم ذلك فليس منهم البتة راض، أفلا ترى أنك أيها الملك وحيد لا أهل لك ولا مال.
فأما أنا فإن لي أهلا ومالا وإخوانا وأخوات وأولياء، لا يأكلوني، ولا يأكلون بي، يحبوني وأحبهم، فلا يفقد الحب بيننا، ينصحوني وأنصحهم فلا غش بيننا، و يصدقوني، وأصدقهم فلا تكاذب بيننا، ويوالوني وأواليهم فلا عداوة بيننا، ينصروني وأنصرهم فلا تخاذل بيننا، يطلبون الخير الذي إن طلبته معهم لم يخافوا أن أغلبهم عليه أو أستأثر به دونهم، فلا فساد بيننا ولا تحاسد، يعملون لي وأعمل لهم بأجور لا تنفد ولا يزال العمل قائما بيننا، هم هداتي إن ضللت، نور بصري إن عميت، وحصني إن أتيت، ومجني إن رميت (2) وأعواني إذا فزعت، وقد تنزهنا عن البيوت و المخاني (3) فلا نريدها وتركنا الذخاير والمكاسب لأهل الدنيا فلا تكاثر بيننا ولا تباغى، ولا تباغض، ولا تفاسد، ولا تحاسد، ولا تقاطع، فهؤلاء أهلي أيها الملك و إخواني وأقربائي وأحبائي، وأحببتهم وانقطعت إليهم، وتركت الذين كنت أنظر إليهم بالعين المسحورة لما عرفتهم، والتمست السلامة منهم.
فهذه الدنيا أيها الملك التي أخبرتك أنها لا شئ فهذا نسبها وحسبها ومصيرها إلى ما قد سمعت، وقد رفضتها لما عرفتها، وأبصرت الامر الذي هو الشئ فإن كنت تحب أيها الملك أن أصف لك ما أعرف عن أمر الآخرة التي هي الشئ فاستعد إلى السماع، تسمع غير ما كنت تسمع به من الأشياء.