فلم يزد الملك عليه إلا أن قال له: كذبت لم تصب شيئا، ولم تظفر إلا بالشقاء والعناء، فاخرج ولا تقيمن في شئ من مملكتي، فإنك فاسد مفسد.
وولد للملك في تلك الأيام بعد إياسه من الذكور غلام لم ير الناس مولودا مثله قط حسنا وجمالا وضياء، فبلغ السرور من الملك مبلغا عظيما كاد أن يشرف منه على هلاك نفسه من الفرح، وزعم أن الأوثان التي كان يعبدها هي التي وهبت له الغلام، فقسم عامة ما كان في بيوت أمواله على بيوت أوثانه، وأمر الناس بالاكل والشرب سنة وسمى الغلام يوذاسف (1) وجمع العلماء والمنجمين لتقويم ميلاده، فرفع المنجمون إليه أنهم يجدون الغلام يبلغ من الشرف والمنزلة ما لا يبلغه أحد قط في أرض الهند، واتفقوا على ذلك جميعا، غير أن رجلا قال: ما أظن الشرف والمنزلة والفضل الذي وجدناه يبلغه هذا الغلام إلا شرف الآخرة ولا أحسبه إلا أن يكون إماما في الدين والنسك وذا فضيلة في درجات الآخرة لأني أرى الشرف الذي تبلغه ليس يشبه شيئا من شرف الدنيا وهو شبيه بشرف الآخرة. فوقع ذلك القول من الملك موقعا كاد أن ينغصه سروره بالغلام، وكان المنجم الذي أخبره بذلك من أوثق المنجمين في نفسه وأعلمهم وأصدقهم عنده، وأمر الملك للغلام بمدينة فأخلاها وتخير له من الظؤورة (1) والخدم كل ثقة، وتقدم إليهم أن لا يذكر فيما بينهم موت ولا آخرة ولا حزن ولا مرض ولا فناء حتى تعتاد ذلك ألسنتهم وتنساه قلوبهم، وأمرهم إذا بلغ الغلام أن لا ينطقوا عنده بذكر شئ مما يتخوفونه عليه خشية أن يقع في قلبه منه شئ فيكون ذلك داعية إلى اهتمامه بالدين والنسك، وأن يتحفظوا ويتحرزوا من