مهيبا في أنفس الناس، مظفرا على الأعداء، وكان مع ذلك عظيم النهمة (1) في شهوات الدنيا ولذاتها وملاهيها، مؤثرا لهواه، مطيعا له، وكان أحب الناس إليه وأنصحهم له في نفسه من زين له حاله وحسن رأيه، وابغض الناس وأغشهم له في نفسه من امره بغيرها وترك امره فيها،، وكان قد أصاب الملك فيها في حداثة سنة وعنفوان شبابه وكان له رأي أصيل ولسان بليغ ومعرفة بتدبير الناس، وضبطهم، فعرف الناس ذلك منه فانقادوا له، وخضع له كل صعب وذلول، واجتمع له سكر الشباب وسكر السلطان، والشهوة والعجب، ثم قوى ذلك ما أصاب من الظفر على من ناصبه والقهر لأهل مملكته، وانقياد الناس له، فاستطال على الناس واحتقرهم، ثم ازداد عجبا برأيه ونفسه لما مدحه الناس وزينوا أمره عنده، فكان لا همة له إلا الدنيا وكانت الدنيا له مؤاتية، لا يريد منها شيئا إلا ناله، غير أنه كان مئناثا (2) لا يولد له ذكر، وقد كان الدين فشا في أرضه قبل ملكه، وكثر أهله، فزين له الشيطان عداوة الدين وأهله وأضر بأهل الدين فأقصاهم مخافة على ملكه، وقرب أهل الأوثان، وصنع لهم أصناما من ذهب وفضة، وفضلهم وشرفهم، وسجد لا صنامهم.
فلما رأى الناس ذلك منه سارعوا إلى عبادة الأوثان والاستخفاف بأهل الدين، ثم إن الملك سأل يوما عن رجل من أهل بلاده كانت له منه منزلة حسنة ومكانة رفيعة وكان أراد ليستعين به على بعض أموره ويحبه ويكرمه، فقيل له: أيها الملك أنه قد خلع الدنيا وخلا منها ولحق بالنساك فثقل ذلك على الملك، وشق عليه، ثم إنه أرسل إليه فأتي به، فلما نظر إليه في زي النساك وتخشعهم زبره وشتمه (3)