ذلك، ويتفقد بعضهم من بعض.
وازداد الملك عند ذلك حنقا على النساك مخافة على ابنه.
وكان لذلك الملك وزير قد كفل أمره وحمل عنه مؤونة سلطانه، وكان لا يخونه ولا يكذبه ولا يكتمه، ولا يؤثر عليه، ولا يتوانى في شئ من عمله، ولا يضيعه، وكان الوزير مع ذلك رجلا لطيفا طلقا معروفا بالخير، يحبه الناس ويرضون به إلا أن أحباء الملك وأقرباءه كانوا يحسدونه، ويبغون عليه، ويستقلون بمكانه (1).
ثم إن الملك خرج ذات يوم إلى الصيد ومعه ذلك الوزير فأتى به في شعب من الشعاب على رجل قد أصابته زمانة شديدة في رجليه، ملقى في أصل شجرة لا يستطيع براحا (2) فسأله الوزير عن شأنه فأخبره أن السباع أصابته، فرق له الوزير فقال له الرجل: ضمني إليك واحملني إلى منزلك فإنك تجد عندي منفعة، فقال الوزير:
إني لفاعل وإن لم أجد عندك منفعة، ولكن يا هذا ما المنفعة التي تعدنيها، هل تعمل عملا أو تحسن شيئا؟ فقال الرجل: نعم أنا أرتق الكلام (3) فقال: وكيف ترتق الكلام قال: إذا كان فيه فتق أرتقه حتى لا يجيئ من قبله فساد، فلم ير الوزير قوله شيئا، وأمر بحمله إلى منزله وأمر له بما يصلحه حتى إذا كان بعد ذلك احتال أحباء الملك للوزير وضربوا له الأمور ظهرا وبطنا فأجمع رأيهم على أن دسوا رجلا منهم إلى الملك، فقال له أيها الملك إن هذا الوزير يطمع في ملكك أن يغلب عليه من بعدك فهو يصانع الناس على ذلك، ويعمل عليه دائبا، فإن أردت أن تعلم صدق ذلك فأخبره أنه قد بدا لك أن ترفض الملك وتلحق بالنساك، فإنك سترى من فرحه بذلك ما تعرف به أمره، وكان القوم قد عرفوا من الوزير رقة عند ذكر فناء الدنيا و الموت ولينا للنساك وحبا لهم فعملوا فيه من الوجه الذي ظنوا أنهم يظفرون بحاجتهم