فانطلق ذو القرنين برسالة ربه عز وجل، وأيده الله تعالى بما وعده فمر بمغرب الشمس فلا يمر بأمة من الأمم إلا دعاهم إلى الله عز وجل فإن أجابوه قبل منهم وإن لم يجيبوه أغشاهم الظلمة، فأظلمت مداينهم و قراهم وحصونهم وبيوتهم ومنازلهم، وأغشيت أبصارهم، ودخلت في أفواههم وآنافهم وآذانهم وأجوافهم، فلا يزالون فيها متحيرين حتى يستجيبوا لله عز وجل ويعجوا إليه حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجد عندها الأمة التي ذكرها الله تعالى في كتابه ففعل بهم ما فعل بمن مر به [من] قبلهم حتى فرغ مما بينه وبين المغرب ووجد جمعا وعددا لا يحصيهم إلا الله وبأسا وقوة لا يطيقه إلا الله عز وجل، وألسنة ومختلفة وأهواء متشتتة وقلوبا متفرقة، ثم مشى على الظلمة ثمانية أيام وثمان ليال وأصحابه ينظرونه حتى انتهى إلى الجبل الذي هو محيط بالأرض كلها فإذا هو بملك من الملائكة قابض على الجبل وهو يقول: سبحان ربي من الان إلى منتهى الدهر، سبحان ربي من أول الدنيا إلى آخرها، سبحان ربي من موضع كفي إلى عرش ربي، سبحان ربي من منتهى الظلمة إلى النور، فلما سمع ذاك ذو القرنين خر ساجدا، فلم يرفع رأسه حتى قواه الله تعالى وأعانه على النظر إلى ذلك الملك، فقال له الملك: كيف قويت يا ابن آدم على أن تبلغ إلى هذا الموضع ولم يبلغه أحد من ولد آدم قبلك؟ قال ذو القرنين:
قواني على ذلك الذي قواك على قبض هذا الجبل وهو محيط بالأرض، قال له الملك: صدقت قال له ذو القرنين: فأخبرني عنك أيها الملك؟ قال: إني موكل بهذا الجبل وهو محيط بالأرض كلها، ولولا هذا الجبل لانكفأت الأرض بأهلها، وليس على وجه الأرض جبل أعظم منه، وهو أول جبل أثبته الله عز وجل (1)، فرأسه ملصق بسماء الدنيا وأسفله في الأرض السابعة السفلى وهو محيط بها كالحلقة، وليس على وجه الأرض مدينة إلا ولها عرق إلى