حتى أمعن في البلاد يؤم في المغرب، وجنوده يومئذ المساكين، فأوحى الله جل جلاله إليه يا ذا القرنين أنت حجتي على جميع الخلائق ما بين الخافقين من مطلع الشمس إلى مغربها، وحجتي عليهم، وهذا تأويل رؤياك فقال ذو القرنين: يا إلهي إنك قد ندبتني لأمر عظيم لا يقدر قدره غيرك، فأخبرني عن هذه الأمة بأي قوة أكابرهم (1)؟ وبأي عدد أغلبهم، وبأية حيلة أكيدهم، وبأي صبر أقاسيهم، وبأي لسان أكلمهم، وكيف لي بأن أعرف لغاتهم، وبأي سمع أعي كلامهم، وبأي بصر أنفذهم وبأي حجة أخاصمهم، وبأي قلب أعقل عنهم، وبأي حكمة أدبر أمورهم وبأي حلم أصابرهم، وبأي قسط أعدل فيهم، وبأي معرفة أفضل بينهم، وبأي علم أتقن أمورهم، وبأي عقل أحصيهم، وبأي جند أقاتلهم؟
فإنه ليس عندي مما ذكرت شئ يا رب، فقوني عليهم فإنك الرب الرحيم الذي لا تكلف نفسا إلا وسعها، ولا تحملها إلا طاقتها فأوحى الله جل جلاله إليه أني سأطوقك ما حملتك، وأشرح لك فهمك فتفقه كل شئ، وأشرح لك صدرك فتسمع كل شئ، وأطلق لسانك بكل شئ، وأفتح لك سمعك فتعي كل شئ، وأكشف لك عن بصرك فتنفذ كل شئ وأحصي لك (2) فلا يفوتك شئ، وأحفظ عليك فلا يعزب عنك شئ، وأشد [لك] ظهرك فلا يهولك شئ وألبسك الهيبة فلا يروعك شئ، وأسدد لك رأيك فتصيب كل شئ، وأسخر لك جسدك فتحسن كل شئ، وأسخر لك النور والظلمة وأجعلها جندين من جنودك النور يهديك، والظلمة تحوطك، وتحوش عليك الأمم (3) من ورائك