حينئذ وصية لا تنفذ مع استغراق التركة بالدين فلذا يلزمه عقرها، لأنه لم يملكها قبل الموت حيث كانت وصية ولا بعد الموت لتعلق حق الغرماء، ولم يجب الحد للشبهة فوجب العقر، فلو حملت من ذلك الوطئ يراجع حكمه.
فروع: وهب في مرضه ولم يسلم حتى مات بطلت الهبة لأنه وإن كان وصية حتى اعتبر فيه الثلث فهو هبة حقيقة فيحتاج إلى القبض.
وهب المريض عبدا لا مال له غيره ثم مات، وقد باعه الموهوب له لا ينقض البيع ويضمن ثلثيه، وإن أعتقه الموهوب له والواهب مديون ولا مال غيره قبل موته جاز، وبعد موت الواهب لا، لان الاعتاق في المرض وصية وهي لا تعمل حال قيام الدين، وإن أعتقه الواهب قبل موته ومات لا سعاية على العبد لجواز الاعتاق ولعدم الملك يوم الموت. بزازية.
ورأيت في مجموعة منلا على الصغير بخطه عن جواهر الفتاوى: كان أبو حنيفة حاجا فوقعت مسألة الدور بالكوفة فتكلم كل فريق بنوع فذكروا له ذلك حيث استقبلوه فقال من غير فكر ولا روية أسقطوا السهم الدائر تصح المسألة.
مثاله: مريض وهب عبدا له من مريض وسلمه إليه ثم وهبه من الواهب الأول وسلمه إليه ثم ماتا جميعا ولا مال لهما غيره فإنه وقع فيه الدور متى رجع إليه شئ منه زاد في ماله، وإذا زاد في ماله زاد في ثلثه، وإذا زاد في ثلثه زاد فيما يرجع إليه، وإذا زاد فيما يرجع إليه زاد في ثلثه، ثم لا يزال كذلك فاحتيج إلى تصحيح الحساب.
وطريقه: أن تطلب حسابا له ثلث وللثلث ثلث، وأقله تسعة، ثم تقول: صحت الهبة في ثلاثة منها ويرجع من الثلاثة سهم إلى الواهب الأول، فهذا السهم هو سهم الدور فأسقطه من الأصل يبقى ثمانية فمنها تصح، وهذا معنى قول أبي حنيفة: أسقطوا السهم الدائر، وتصح الهبة في ثلاثة من ثمانية والهبة الثانية في سهم، فيحصل للواهب الأول ستة ضعف ما صححنا في هبته، وصححنا الهبة الثانية في ثلث ما أعطينا، فثبت أن تصحيحه بإسقاط سهم الدور، وقيل دع الدور يدور في الهواء ا ه ملخصا. قوله: (والميم موت أحد العاقدين) يعني حرف الميم إشارة إلى أن موت أحدهما مانع إن كان بعد التسليم، لان بموت الموهوب له ينتقل الملك إلى ورثته فصار كما إذا انتقل حال حياته، ولأن تبدل الملك كتبدل العين فصار كعين أخرى، وإذا مات الواهب فوارثه أجنبي عن العقد إذ هو ما أوجبه وحق الرجوع مجرد خيار فلا يورث كخيار الشرط، ولأن الشارع أوجبه للواهب والوارث ليس بواهب فإن قلت: إنه بالموت قد خرج الموهوب عن الملك فيستغني بذكر الخاء عن الميم. أجيب بأن الميت يعطى حكم الحي في أشياء كحق التجهيز والتكفين وقضاء الدين وتنفيذ الوصية فربما يظن أن الهبة من تلك الأشياء فكان النص صريحا على الموت أولى، ولينظر ما لو حكم بلحاقه مرتدا، ومفاد ما ذكر من التعليل أنه لو حكم بلحاقه مرتدا فالحكم كذلك وليراجع صريح النقل، والله تعالى أعلم.
قوله: (بعد التسليم) قيد به لأنه لو مات أحدهما قبله بطلت لعدم الملك، ورجوع المستأمن إلى دار الحرب بعد الهبة قبل القبض مبطل لها كالموت، فإن كان الحربي أذن للمسلم في قبضه وقبضه بعد رجوعه إلى دار الحرب جاز استحسانا، بخلاف قبضه بعد موت الواهب كذا في المبسوط. بحر.