العوض، وليس عدم العوض شرطا فإنه يقتضي أنها لا تتحقق مع العوض وليس كذلك.
وقد فرقوا بين الوجود بلا شرط شئ وبين الوجود بشرط لا شئ بأن الأول أعم من الثاني، وعليه فإن العوض لا يشترط في تعريفها، بل قد تكون بعوض كما إذا شرطه، وقد تكون بلا عوض، فمعنى قوله بلا عوض: أي ليس العوض من لازمها ومطردا فيها، بخلاف البيع فإنه لا بد فيه من العوض حتى لو باعه بلا عوض فسد، ولو أسقط هذا النفي لكان تعريفا للهبة من كل وجه وهي الهبة بلا عوض مشروط، ويكون معنى قوله بلا عوض: أي بلا شرط عوض سواء عوضه من تلقاء نفسه أو لا، أما الهبة بشرط العوض فهي هبة ابتداء بيع انتهاء كما سيأتي بيانه، وهذا كله على جعل الباء للملابسة الخ. قوله: (وأما تمليك الدين الخ) هذا جواب على سؤال مقدر وهو أن تقييده بالعين مخرج لتمليك الدين من غير من عليه مع أنه هبة إذا أمره بقبضه فيخرج عن التعريف. فأجاب بأنه يكون عينا مالا، فالمراد بالعين في التعريف ما كان عينا حالا أو مالا وهو خارج عن القياس، إذ الهبة لا تصح إلا في الملك والعين غير مملوكة له وقت الهبة وهو نظير الحمل ولا يصح هبته مع أنه سيصير عينا مملوكة، وقد يفرق بأن تمام الحمل غير متحقق إذ هو متوقف على إتمام الله تعالى له وفصله عن أمه والعبد لا يقدر عليه، والدين ثابت في ذمة المديون مأمور بدفعه لربه وصاحبه قادر على قبضه شرعا فيقدر على تسليمه. قال بعض الفضلاء: ولهذا لا يلزم إلا إذا قبض، وله الرجوع قبله فله منعه حيث كان بحكم النيابة عن القبض، وعليه تبتني مسألة موت الواهب قبل قبض الموهوب له في هذه، فتأمل.
بقي هل الاذن يتوقف على المجلس الظاهر؟ نعم فليراجع. ولا ترد هبة الدين ممن عليه لأنها مجاز عن الاسقاط، والفرد المجازي لا ينقض، والله سبحانه أعلم.
قال في البحر عن المحيط: ولو وهب دينا له على رجل وأمره أن يقبضه فقبضه جازت الهبة استحسانا فيصير قابضا للواهب بحكم النيابة، ثم يصير قابضا لنفسه بحكم الهبة، وإن لم يأذن بالقبض لم يجز ا ه.
وفي أبي السعود عن الحموي: ومنه يعلم أن تصيير معلومة المتجمد للغير بعد فراغه له غير صحيح ما لم يأذنه بالقبض، وهي واقعة الفتوى. لكن قال في الأشباه: تصح ويكون وكيلا قابضا للموكل ثم لنفسه، ومقتضاه أن له عزله عن التسليط قبل قبضه ا ه. وهل منه ما تعورف في زماننا من بيع أوراق الجامكية وكذا أوراق الكميالي والقنصليد إلى غريمه أو إلى غيره أو لمن عليه أموال أميرية أو لغيره فإنه غير مديون لعين ولعدم تعينه لقضاء الجامكية.
قال المصنف في فتاواه: سئل عن بيع الجامكية، وهو أن يكون لرجل جامكية في بيت المال، ويحتاج إلى دراهم معجلة قبل أن تخرج الجامكية فيقول له رجل بعني جامكيتك التي قدرها بكذا أنقص من حقه في الجامكية فيقول له بعتك فهل البيع المذكور صحيح أم لا لكونه بيع الدين بنقد؟ أجاب إذا باع الدين من غير من هو عليه كما ذكر لا يصح.
قال مولانا في فوائده: وبيع الدين لا يجوز، ولو باعه من المديون أو وهبه جاز ا ه.
أقول: وكان الأولى للشارح أن يقول: ولا يرد تمليك الدين وقد أمر بقبضه لرجوعه إلى تمليك