فبدعواه بعد ذلك أنه لم يصح الصلح صار متناقضا والمناقضة تمنع صحة الدعوى. وأفاد تعليل الثانية بنحو ما ذكرناه.
صورة ذلك: ادعى ثوبا فأنكر فصالح على شئ ثم أقام البينة أن المدعي قال قبل الصلح إنه لا حق لي في هذا الثوب لا تقبل بينته ويكون الصلح والقضاء ماضيين لأنه افتدى لليمين حيث وقع عن إنكار فلا ينقض. أفاده بعض الفضلاء. قوله: (بطل الصلح) لأنه بإقراره هذا زعم أنه أخذه بعد الصلح بغير حق، بخلاف إقراره قبل الصلح لجواز أن يملكه بعد إقراره قبل الصلح.
والحاصل: أن عدم قبول بينته في الأولى لما فيه من التناقض، لان التناقض يمنع قبول البينة لاقراره، بخلاف الثانية لأنه لم يظهر وجه التناقض لان الصلح ليس اعترافا بالملك كما صرحوا به فإنه يكون عن إقرار وسكوت وإنكار قوله: (قال المصنف وهو مقيد لاطلاق العمادية) نصه: وفي العمادية: ادعى فأنكر فصالحه ثم ظهر بعده أن لا شئ عليه بطل الصلح. ا ه.
أقول: يجب أن يقيد قوله ثم ظهر بغير الاقرار قبل الصلح لما تقدم من مسألة المختصر، وبه صرح مولانا في بحره ح. ولا يخفى أن علة مضي الصلح على الصحة في مسألة المتن المتقدمة عدم قبول الشهادة لما فيه من التناقض، فلم يظهر حينئذ أن لا شئ عليه فلم تشملها عبارة العمادية فافهم.
أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
أقول: لكن ليس هذا من التناقض المردود لأنه يدعي أمرا كان خفيا عليه وهو إقرار المدعي بعدم حقه في المدعي قبل الصلح، ولو كانت العلة ما ذكره لما صحت في الثانية أيضا لأنه متناقض فيهما بعد إقدامه على الصلح. والعلة الصحيحة في ذلك أنه إن ثبت أنه قال ذلك قبل الصلح لا يكون مانعا من صحة الصلح لاحتمال حصول حق له بعد ذلك قبل الصلح، وفي الثانية لا يحتمل.
قال في الخلاصة من آخر الدعوى: لو استعار من آخر دابة فهلكت فأنكر رب الدابة الإعارة فصالحه المستعير على مال جاز، فلو أقام المستعير بينة بعد ذلك على العارية قبلت بينته وبطل الصلح ا ه: أي لظهور أن لا شئ، والله أعلم.
وفي البزازية أيضا ما يفيد أن المراد بالظهور لا من طريق إقامة المصالح البينة أنها لا تقبل لما فيه من التناقض. ونص عبارته في كتاب الدعوى من نوع في الصلح.
وفي المنتقى: ادعى ثوبا أو صالح ثم برهن المدعى عليه على إقرار المدعي إنه لا حق له فيه إن على إقراره قبل الصلح فالصلح صحيح، وإن بعد الصلح يبطل الصلح، وإن علم الحاكم إقراره بعدم حقه ولو قبل الصلح يبطل الصلح، وعلمه بالاقرار السابق كإقراره بعد الصلح، هذا إذا اتحد الاقرار بالملك بأن قال لا حق لي بجهة الميراث ثم قال إنه ميراث لي عن أبي، فأما غيره إذا ادعى ملكا لا بجهة الإرث بعد الاقرار بعدم الحق بطريق الإرث بأن قال حقي بالشراء أو الهبة لا يبطل ا ه. قوله:
(ثم نقل) أي المصنف. قوله: (عن دعوى البزازية) عبارتها عن المنتقى: ادعى ثوبا وصالح ثم برهن المدعى عليه على إقرار المدعي إنه لا حق له فيه: إن على إقراره قبل الصلح فالصلح صحيح، وإن بعد الصلح يبطل، وإن علم الحاكم إقراره بعدم حقه ولو قبل الصلح يبطل الصلح، وعلمه بالاقرار السابق