قلت: والذي اعتمده ففيه النفس الامام قاضيخان هو القول الأول، فإنه ذكر أنه أن شرط التزوج رجع لأنه شرط فاسد، وإلا فإن كان معروفا فقيل يرجع وقيل لا ثم قال: وينبغي أن يرجع لأنه إذا علم أنه لو لم تتزوج لا ينفق عليها كان بمنزلة الشرط كالمستقرض إذا أهدى إلى المقرض شيئا لم يكن أهدى إليه قبل الاقراض كان حراما، وكذا القاضي لا يجيب الدعوة الخاصة، ولا يقبل الهدية من رجل لو لم يكن قاضيا لا يهدى إليه، فيكون ذلك بمنزلة الشرط وإن لم يكن مشروطا ا ه. وأيده في الخيرية في كتاب النفقات وأفتى به حيث سئل فيمن خطب امرأة وأنفق عليها وعلمت أنه ينفق ليتزوجها فتزوجت غيره، فأجاب بأنه يرجع، واستشهد له بكلام قاضيخان المذكور وغيره وقال: إنه ظاهر الوجه فلا ينبغي أن يعدل عنه ا ه.
تنبيه: أفاد ما في الخيرية حيث استشهد على مسألة المخطوبة بعبارة الخانية أن الخلاف الجاري هنا جار في مسألة المخطوبة المارة، وأن ما مر فيها من أن له استرداد، القائم دون الهالك والمستهلك خاص بالهدية دون النفقة والكسوة، إذ لا شك أن المعتدة مخطوبة أيضا، ولا تأثير لكونها معتدة يحرم التصريح بخطبتها، بل التأثير للشرط وعدمه، وكونه شرطا فاسدا، وكون ذلك رشوة كما علمته من تعليل الأقوال. وعلى هذا فما يقع في قرى دمشق من أن الرجل يخطب امرأة ويصير يكسوها ويهدي إليها في الأعياد ويعطيها دراهم للنفقة والمهر إلى أن يكمل لها المهر فيعقد عليها ليلة الزفاف، فإذا أبت أن تتزوجه ينبغي أن يرجع عليها بغير الهدية الهالكة على الأقوال الأربعة المارة، لان ذلك مشروط التزوج كما حققه قاضيخان فيما مر.
وبقي ما إذا ماتت، فعلى القول الأول لا كلام في أن له الرجوع، أما على الثالث فهل يلحق بالإباء؟ لم أره. وينبغي الرجوع لأن الظاهر أن علة القول الثالث أنه كالهبة المشروطة بالعوض وهو التزوج كما يفيده ما في حاوي الزاهدي برمز البرهان صاحب المحيط: بعثت الصهرة إلى بيت الختن ثيابا لا رجوع لها بعده ولو قائمة، ثم سئل فقال: لها الرجوع لو قائما. قال الزاهدي:
والتوفيق أن البعث الأول قبل الزفاف ثم حصل للزفاف فهو كهبة بشرط العوض وقد حصل فلا ترجع، والثاني بعد الزفاف فترجع ا ه. وكذا لم أر ما لو مات هو أو أبى، فليراجع.
تتمة: لم يذكر لو أنفق على زوجته ثم تبين فساد النكاح، بأن شهدوا بالرضاع وفرق بينهما.
ففي الذخيرة: له الرجوع بما أنفق بفرض القاضي، لأنه تبين أنها أخذت بغير حق، ولو أنفق بلا فرض لا يرجع بشئ. قوله: (بشرط أن يتزوجها) الأولى أن يقول: بطمع أن يتزوجها كما عبر في البحر. قوله: (مطلقا) تفسير الاطلاق في الموضعين كما دل عليه كلام المصنف في شرحه شرط التزوج أولم يشرطه، ولذا قلنا: الأولى أن يقول: بطمع أن يتزوجها ليتأتى الاطلاق المذكور وهذا القول هو الثالث قد اعتمده المصنف في متنه وشرحه. وقال في الفيض: وبه يفتى. قوله:
(وإن أكلت معه فلا) أي لأنه إباحة لا تملك أو لأنه مجهول لا يعلم قدره. تأمل. ولينظر وجه عدم الرجوع في الهدية الهالكة أو المستهلكة على ما قلناه من عدم الفرق بين المخطوبة والمعتدة. قوله:
(بحر) عن العمادية صوابه منح عن العمادية، فإن ما في المتن عزاه في المنح إلى الفصول العمادية، وهو القول الثالث من الأقوال الأربعة التي قدمناها. وأما ما في البحر فهو القول الأول، والقول