لما وقع مستندا إلى وقت العلوق كان عدم الكفاءة موجودا وقت العقد، لا أنها كانت موجودة ثم زالت حتى ينافي كون العبرة لوقت العقد. وأما مسألة الاقرار فلان إقرارها يقتصر عليها، فلا يلزم الزوج بموجبه لما تقرر أن الاقرار حجة قاصرة على المقر. قوله: (ثم فجر) الأولى أن يقول: ثم زالت كفاءته لان الفجور يقابل الديانة وهي إحدى ما يعتبر في الكفاءة ط. قوله: (وأما لو كان دباغا الخ) هذا فرعه صاحب البحر على ما تقدم بأنه ينبغي أن يكون كفؤا، ثم استدرك عليه بمخالفته لقولهم: إن الصنعة وإن أمكن تركها يبقى عارها، ووفي في النهر بقوله: ولو قيل إنه إن بقي عارها لم يكن كفؤا وإن تناسى أمرها لتقادم زمانها كان كفؤا لكان حسنا ا ه. قوله: (لكن في النهر الخ) حيث قال: ودل كلامه على أن غير العربي لا يكافئ العربي، وإن كان حسيبا، لكن في جامع قاضيخان قالوا: الحسيب يكون كفؤا للنسيب، فالعالم العجمي يكون كفؤا للجاهل العربي والعلوية، لان شرف العلم فوق شرف النسب، وارتضاه في فتح القدير، وجزم به الرازي وزاد: والعالم الفقير يكون كفؤا للغني الجاهل، والوجه فيه ظاهر لان شرف العلم فوق شرف النسب فشرف المال أولى، نعم الحسب قد يراد به المنصب والجاه كما فسره به في المحيط عن صدر الاسلام، وهذا ليس كفؤا للعربية كما في الينابيع ا ه. كلام النهر ملخصا.
أقول: حيث كان ما في الينابيع من تصحيح عدم كفاءة الحسيب للعربية مبنيا على تفسير الحسيب بذي المنصب والجاه لم يصح ما ذكره المصنف من تصحيح عدم الكفاءة في العالم، وعزوه في شرحه إلى الينابيع، وذكر الخير الرملي عن مجمع الفتاوى: العالم يكون كفؤا للعلوية لان شرف الحسب أقوى من شرف النسب، وعن هذا قيل: إن عائشة أفضل من فاطمة، لان لعائشة شرف العلم، كذا في المحيط. وذكر أيضا أنه جزم به في المحيط والبزازية والفيض وجامع الفتاوى وصاحب الدرر، ثم نقل عبارة المصنف هنا ثم قال: فتحرر أن فيه اختلافا، ولكن حيث صح أن ظاهر الرواية أنه لا يكافئها فهو المذهب، خصوصا وقد نص في الينابيع أنه الأصح ا ه.
أقول: قد علمت أن ما صححه في الينابيع غير ما مشى عليه المصنف، وأما ما ذكره من ظاهر الرواية فقد تبع فيه البحر، وقول الشارح وادعى في البحر الخ يفيد أن كونه ظاهر الرواية مجرد دعوى لا دليل عليها سوى قولهم في المتون وغيرها: والعرب أكفاء: أي فلا يكافئهم غيرهم، ولا يخفى أن هذا وإن كان ظاهره الاطلاق، ولكن قيده المشايخ بغير العالم، وكم له من نظير، فإن شأن مشايخ المذهب إفادة قيود وشرائط لعبارات مطلقة استنباطا من قواعد كلية أو مسائل فرعية أو أدلة نقلية وهنا كذلك، فقد ذكر في آخر التفاوى الخيرية في قرشي جاهل تقدم في المجلس على عالم أنه يحرم عليه، إذ كتب العلماء طافحة بتقدم العالم على القرشي، ولم يفرق سبحانه بين القرشي وغيره في قوله: * (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) * (سورة الزمر: الآية 9) إلى آخر ما أطال به، فراجعه فحيث كان شرف العلم أقوى من شرف النسب بدلالة الآية، وتسريحهم بذلك اقتضى تقييد ما أطلقوه هنا اعتمادا على فهمه من محل آخر، فلم يكن ما ذكره المشايخ مخالفا لظاهر الرواية،