تكملة البحر الرائق - الشيخ محمد بن حسين بن علي الطوري القادري الحنفي - ج ٣ - الصفحة ١٨٧
صبيا حرا فمات في يده فجأة أو بحمى لم يضمن وإن مات بصاعقة أو نهش حية فديته على عاقلة الغاصب كصبي أودع عبدا فقتله وإن أودع طعاما وأكله لم يضمن.
____________________
فيحصل للغاصب زيادة على القيمة، فدل على أن في اعتبار هذه الجارية فائدة فوجب اعتبارها والله أعلم. ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى أن المولى متى أخذ الضمان من الغاصب يملك الغاصب العبد مستندا إلى وقت الغصب، وظاهره أن الجناية ظهرت من المملوك على مالكه وجناية المملوك على مالكه هدر لأن المولى لا يستوجب على مملوكه شيئا وجناية المغصوب على مولاه معتبرة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى خلافا لهما لما مر في الرهن.
قال رحمه الله: (غصب صبيا حرا فمات في يده فجأة أو بحمى لم يضمن وإن مات بصاعقة أو نهش حية فديته على عاقلة الغاصب) وهذا استحسان، والقياس أن لا يضمن في الوجهين وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله تعالى لأن الغصب في الحر لا يتحقق ألا ترى أنه لا يتحقق في المكاتب وإن كان صغيرا لكونه حرا يدا مع أنه رقيق رقبة فالحر يدا، ورقبة أولى أن لا يضمن به. وجه الاستحسان أن هذا ضمان إتلاف لا ضمان غصب والصبي يضمن بالاتلاف، وهذا لأن نقله إلى أرض مسبعة أو إلى مكان الصواعق إتلاف منه تسببا وهو متعد فيه بتفويت يد الحافظ وهو المولى فيضمن، وهذا لأن الحيات والسباع والصواعق لا تكون في كل مكان فأمكن حفظه عنده فإذا نقله إليه وهو متعد فيه فقد أزال حفظ المولى عنده متعديا فيضاف إليه لأن شرط العلة بمنزلة العلة إذا كان تعديا كالحفر في الطريق بخلاف الموت فجأة أو بحمى فإن ذلك لا يختلف باختلاف الأماكن حتى لو نقله إلى مكان تغلب فيه الحمى والأمراض يقول إنه يضمن وتجب الدية على العاقلة لكونه قتلا تسببا بخلاف المكاتب لأنه في يد نفسه، وإن كان صغيرا فهو يلحق بالكبير ألا ترى أنه لا يزوج إلا برضاه كالبالغ والحر الصغير يزوجه وليه بدون رضاه فإذا أخرجه من يد المولى فمات مما يمكن التحرز عنه يضمن والمكاتب لا يعجز عن حفظ نفسه فلا يضمن بالغصب كالحر الكبير حتى لو لم يمكنه من حفظ نفسه فلا يضمن بالغصب ما صنع من قيد ونحوه يضمن المكاتب، وكالحر الكبير أيضا كما يضمن الصغير لأنه حينئذ يكون التلف مضافا إلى الغاصب بتقصير حفظه. قال رحمه الله:
(كصبي أودع عبدا فقتله وإن أودع طعاما وأكله لم يضمن) أي يضمن عاقلة الغاصب كما يضمن عاقلة الصبي إذا قتل عبدا أودع عنده، وهذا الفرق بين العبد المودع والطعام المودع هو قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى: يضمن الصبي المودع في الوجهين وعلى هذا لو أودع العبد المحجور عليه مالا فاستهلكه لا يؤخذ بالضمان في الحال عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ويؤخذ به بعد العتق، وعند أبي يوسف والشافعي رحمهما الله تعالى يؤخذ به في الحال، وعلى هذا الخلاف الاقرار في العبد والوصي وكذا الإعارة فيهما. ثم أن محمدا رحمه الله شرط في الجامع أن يكون الصبي عاقلا. وفي الجامع
(١٨٧)
مفاتيح البحث: الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 187 188 189 190 191 192 ... » »»
الفهرست