تكملة البحر الرائق - الشيخ محمد بن حسين بن علي الطوري القادري الحنفي - ج ٣ - الصفحة ٣٨
وطرف الكافر والمسلم سيان وقطع يد من نصف ساعد وجائفة برىء منها ولسان وذكر
____________________
سلمنا وجود التفاوت في القيمة في الأطراف وأنه يمنع الاستيفاء لكن المعقول منه منع استيفاء الأكمل بالأنقص دون العكس فإن الشلاء نقطع بالصحيحة وأنتم لا تقطعون يد المرأة بيد الرجل ولا يد عبد بحر. والجواب أنا قد ذكرنا أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال لأنها خلقت وقاية للأنفس كالمال فالواجب أن يعتبر التفاوت المالي شائعا مطلقا والشلل ليس منه فيعتبر مانعا من جهة الأكمل، كذا في العناية. ولا مماثلة بين طرفي الذكر والأنثى للتفاوت وبينهما في القيمة بتقسيم الشارع، ولا بين الحر والعبد، ولا بين العبدين للتفاوت في القيمة، وإن تساويا فيها بالظن فصار شبهة منع القصاص. فإن قيل: إن استقام عدم المماثلة في الحر والعبد لم يستقم بين العبدين لامكان تساوي قيمتها بتقويم المقومين أجيب بأن التساوي إنما يكون بالحزر والظن والمماثلة المشروطة شرعا لا تثبت بذلك كالمماثلة في الأموال الربوية بخلاف طرفي الحر بن لأن استوائهما متقين بتقويم الشرع، وبخلاف الأنفس لأن الخلاف فيها متعلق بإزهاق الروح ولا تفاوت فيه. قال صاحب الكفاية: فإن قيل قوله تعالى * (والعين بالعين والاذن بالاذن) * (المائدة: 45) مطلق يتناول موضع النزاع فيكون حجة عليكم قلنا: قد خص منه الحربي والمستأمن والعام إذا خص منه شئ يجوز تخصيصه بخبر الواحد فحصصناه بما روى عن عمران بن حصين أنه قال: قطع عبد لقوم فقراء أذن عبد لقوم أغنياء فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقض بالقصاص اه‍. أقول:
فيه نظر، أما أولا فلانه قد نقرر في علم الأحوال أن النص العام إذا خص منه شئ بكلام مستقل موصول به يكون ذلك العام المخصص منه البعض ظنيا في الباقي فيجوز تخصيصه بخبر الواحد، وأما إذا خرج من النص العام شئ مما هو مفصول عنه غير موصول به فلا يكون ذلك ظنيا في الباقي بل يكون باقيا على حالته الأولى، ولا شك أن مخرج الحربي والمستأمن من الآية المذكورة ليس بكلام موصول بها فتكون باقية على قطيعتها الأصلية فلا يجوز تخصيصها بخبر الواحد، وقد مر منا غير مرة نظير هذا النظر في محاله. وأما ثانيا فلان حديث عمران بن حصين إنما يفيد عدم جريان القصاص في الأطراف بين العبدين ولا يفيد عدم جريانه فيما بين الرجل والمرأة ولا بين الحر والعبد فبقي الاعتراض بإطلاق الآية المذكورة في هاتين الصورتين ولم يتم الجواب. قال رحمه الله: (وطرف الكافر والمسلم سيان) أي مثلان فيجري القصاص بينهما للتساوي في الأرش. وقال الشافعي: لا يجري لما ذكرنا من أصله.
قال رحمه الله: (وقطع يد من نصف ساعد وجائفة برئ منها ولسان وذكر إلا أن تقطع الحشفة) أي لا قصاص في هذه الأشياء لعدم المماثلة فيها لأن في القطع من نصف الساعد كسر العظم ويتعذر التساوي فيها إذا لا ضابط له، وفي الجائفة البرء نادر فلا يمكن أن يخرج الثاني جائفة على وجه يبرأ منه فيكون إهلاكا فلا يجوز، والذكر للسان ينقبضان وينبسطان فلا
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 37 38 41 44 45 47 51 ... » »»
الفهرست