تكملة البحر الرائق - الشيخ محمد بن حسين بن علي الطوري القادري الحنفي - ج ٣ - الصفحة ٣١٢
إليه غيره ويبطل فعل أحد الوصيين إلا في التجهيز وشراء الكفن وحاجة الصغار
____________________
قال رحمه الله: (ويبطل فعل أحد الوصيين) أي إذا أوصى إلى اثنين لم يكن لأحدهما أن يتصرف في مال الميت، فإن تصرف فيه فهو باطل وهذا عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: ينفرد كل واحد منهما بالتصرف. ثم قيل: الخلاف فيما إذا أوصى إلى كل واحد منهما بعقد، وأما إذا أوصى إليهما معا أو أوصى إليهما بعقد على حدة ومحمد الخلاف إذا كان ذلك في عقدين، وأما إذا كان في عقد واحد فلا ينفرد أحدهما بالاجماع فكذا ذكره الكيساني.
وقيل: الخلاف في الفصلين جميعا ذكره أبو بكر الإسكاف. وقال في المبسوط: وهو الأصح.
ولا يخفى أن المراد من البطلان التوقف على إجازة الآخر أو رده بخلاف الوكيلين إذا وكلهما متفرقا حيث ينفرد كل واحد منهما بالتصرف بالاجماع. والفرق أن ضم الثاني في الايصاء دليل على عجز الأول عن المباشرة وحده وهذا لأن ضم الايصاء إلى الثاني يقصد به الاشتراك مع الأول وهو يملك الرجوع عن الوصية للأول فيملك اشتراك الثاني معه، وقد يوصي الانسان إلى غير على أنه يتمكن من اتمام مقصوده وحده ثم يتبين له عجزه عن ذلك فيضم إليه غيره فصار بمنزلة إيصاء إليهما معا ولا كذلك الوكالة، فإن رأي الموكل قائم. ولو كان الوكيل عاجزا لباشر بنفسه لتمكنه من ذلك، ولما وكل علم أن مراده أن ينفرد كل واحد منهما بالتصرف، ولان وجوب الوصية عند الموت فيثبت لهما معا بخلاف الوكالة المتعاقبة، فإذا ثبت أن الخلاف فيهما معا فأبو يوسف يقول: إن الوصايا سبيلها الولاية وهي وصف شرعي لا يتجزئ فيثبت كل واحد كاملا كولاية الانكاح للأخوين وهذه لأن الوصايا خلافة وإنما تتحقق الخلافة إذا انتقلت إليه كذلك فلا اختيار الموصي أيهما يؤذن باختصاص كل واحد منهما بالشفقة إليه. ولهما أن الولاية تنبت عند الموت فيراعي وصف ذلك وهو وصف الاجتماع لأنه شرط مفيد لأن رأي الواحد لا يكون كرأي الاثنين ولم يرض الموصي إلا بالاثنين فصار كل واحد في هذا السبب بمنزلة شطر العلة وهو لا يثبت به لحكم فكان باطلا بخلاف الأخوين في النكاح لأن السبب هناك القرابة وقد قامت بكل واحد منهما كملا، ولان الانكاح حق مستحق لها على الولي حتى لو طالبته بإنكاحها من كف ء يخطبها يجب عليه وههنا حق التصرف للوصي ولهذا بقي مخيرا في التصرف، ففي الوليين أولى حتما على صاحبه وفي الوصيين استوفى حقا لصاحبه فلا يصح نظير الأول إيفاء دين عليهما. ونظير الثاني استيفاء دين لهما حيث يجوز في الأول دون الثاني بخلاف مواضع الاستثناء لأنها من باب الضرورة لا من باب الولاية على ما نبينه ومواضع الضرورة مستثناة دائما أبدا وهو ما استثناه في الكتاب وأخواتها. وفي التتارخانية: رجل أوصى إلى رجلين فمات أحدهما وأوصى إلى صاحبه جاز ويكون لصاحبه أن يتصرف، وروي أنه لا يجوز والصحيح الأول.
وفي فتاوي أبي الليث: إذا أوصى إلى رجلين فقبل أحدهما وسكت الآخر فقال الذي قبل
(٣١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 309 311 312 314 315 320 322 323 ... » »»
الفهرست