تكملة البحر الرائق - الشيخ محمد بن حسين بن علي الطوري القادري الحنفي - ج ٣ - الصفحة ٣٠٤
ماله لمسلم أوذمي.
____________________
وليس في معتقدهم كما إذا أوصى بالحج وببناء المساجد للمسلمين أو بأن تسرج مساجدنا لأنه معصية عندهم إلا أن يكون لقوم بأعيانهم فيصح باعتبار التمليك. ومنها ما هو مختلف فيه وهو ما إذا أوصى بما هو قربة عندهم وليس بقربة عندنا كبناء الكنيسة لقوم غير معينين ونحوه. فعند أبي حنيفة يجوز، وعندهما لا يجوز. فإن كان لقوم معينين يجوز في الكل على أنه تمليك لهم، وما ذكره من الجهة من تسريح المساجد ونحوه خرج منه على طريق المشورة لا على طريق الالزام حتى لا يلزم أن يصرفوه في الجهة التي عينها هو بل يفعلون به ما شاؤوا ولأنه ملكهم والوصية إنما صحت باعتبار التمليك لهم. وصاحب البدعة إذا كان لا يكفر فهو في حق الوصية بمنزلة المسلم لأنا أمرنا ببناء الأحكام على ظاهر الاسلام وإن كان يكفر فهو بمنزلة المرتد فيكون على الخلاف المعروف في تصرفاته.
قال صاحب الهداية في المرتدة: الأصح أنه تصح وصاياها لأنها تبقى على الردة بخلاف المرتد لأنه يقتل أو يسلم فجعلها كالذمية. وقال السغناقي في النهاية: ذكر صاحب الكتابة في الزيادات الخلاف على هذا. وقال بعضهم: لا تكون بمنزلة الذمية وهو الصحيح حتى لا تصح منها وصية. والفرق بينهما وبين الذمية أن الذمية تقر على اعتقادها، وأما المرتدة فلا تقر على اعتقادها ا ه‍. وقال صاحب العناية بعد أن نقل هذا من النهاية: والظاهر أن لا منافاة بين كلاميه لأنه قال هناك الصحيح وههنا الأصح وهما يصدقان ا ه‍. أقول: هذا ليس بشئ إذ لا شك أن مراد من قال في الخلافيات هو الصحيح ترجيح هذا القول على القول الآخر لا بيان مجرد صحته مع الآخر كما أن مراد من قال هو الأصح ترجيحه على الآخر بل قوله هو الصحيح أدل على الترجيح من قوله هو الأصح، ولا ريب أن ترجيح أحدهما على الآخر ينافي ترجيح الآخر عليه ولا يمكن أن يصدقا معا. قال الراجي عفو ربه:
الأشبه أن تكون كالذمية تجوز وصيتها لأنها لا تقتل ولهذا يجوز جميع تصرفاتها، وكذا الوصية كأنه أراد بقوله صاحب الكتاب صاحب الهداية. وذكر السغناقي أن من ارتد عن الاسلام إلى النصرانية أو اليهودية أو المجوسية فحكم وصاياه حكم من انتقل إليهم فما صح منهم صح منه وهذا عندهما، وأما عند أبي حنيفة فوصيته موقوفة ووصايا المرتدة نافذة بالاجماع لأنها لا تقبل عندنا. وقال قاضيخان: المرتدة الصحيح أنها كالذمية فيجوز منها ما جاز من الذمية وما لا فلا. وأما الثاني وهو ما إذا أوصى الحربي لمسلم فلانه أهل للتمليك منجزا كالهبة ونحوها فكذا مضافا، ولو أوصى بأكثر من الثلث أو بماله كله جاز لأنه امتناع الوصية بما زاد على الثلث لحق الورثة وليس لورثته حق شرعي لأنهم أموات في حقنا، ولان حرمه ماله باعتبار الأمان والأمان كان لحقه لا لحق ورثته وليس لورثته حق شرعي وقد أسقط حقه فيجوز.
وقيل: إذا كان ورثته معه لا يجوز بأكثر من الثلث إلا بإجازة منهم لأنه بالأمان التزم أحكامنا فصار كالذمي. ولو أوصى ببعض ماله نفذت الوصية في الثلث ورد الباقي لورثته، وكذا لو
(٣٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 299 300 302 303 304 305 309 311 312 314 ... » »»
الفهرست