تكملة البحر الرائق - الشيخ محمد بن حسين بن علي الطوري القادري الحنفي - ج ٣ - الصفحة ٣٠٣
ذمي جعل داره بيعة أو كنيسة في صحته فمات فهي ميراث وإن أوصى بذلك لقوم مسمين فهو من الثلث وبداره كنيسة لقوم غير مسمين صحت كوصية حربي مستأمن بكل
____________________
بالمسلمين في المعاملات قال رحمه الله: (ذمي جعل داره بيعة أو كنيسة في صحته فمات فهي ميراث) لأنه بمنزلة الوقف عند أبي حنيفة والوقف عنده لا يلزم فيورث فكذا هذا، وأما عندهما فلان هذا معصية فلا يصح وإن كانت قربة في معتقدهم بقي إشكال على قول أبي حنيفة وهو أن هذا عندهم كالمسجد عندنا والمسلم ليس له أن يبيع المسجد فوجب أن يكون الذمي كذلك لأنهم عنده يتركون وما يعتقدون. وجوابه أن المسجد محرز عن حقوق العباد فصار خالصا لله ولا كذلك البيع في حقهم فلأنها لمنافع الناس لأنهم يسكنون فيها ويدفنون فيها أموالهم فلم تصر محرزة عن حقوقهم فكان ملكه فيها تاما وفي هذه الصورة يورث المسجد أيضا على ما يجئ بيانه. قال رحمه الله: (وإن أوصى بذلك لقوم مسلمين فهو من الثلث) أي إذا أوصى أن يبني داره بيعة أو كنيسة لمعينين فهو جائز من الثلث لأن الوصية فيها معنى الاستخلاف ومعنى التمليك فأمكن تصحيحها على اعتبار المعنيين. قال رحمه الله:
(وبداره كنيسة لقوم غير مسمين صحت كوصية حربي مستأمن بكل ماله لمسلم أو ذمي) يعني إذا أوصى بداره بأن تبني كنيسة لقوم غير مسمين صحت كما تصح لحربي الخ. أما الأول وهو ما إذا أوصى إلى قوم مسمين فهو قول أبي حنيفة، وعندهما الوصية باطلة لأنها معصية حقيقة، وإن كان في معتقدهم قربة والوصية بالمعصية باطلة لأن تنفيذها تقرير للمعصية.
ولأبي حنيفة أن هذه قربة في معتقدهم ونحن أمرنا أن نتركهم وما يدينون فيجوز بناء على معتقدهم ألا ترى أنه لو أوصى بما هو قربة حقيقة وهو معصية في معتقدهم لا تجوز الوصية اعتبارا لاعتقادهم فكذا عكسه. ثم الفرق لأبي حنيفة بين بنائها وبين الوصية بها أن البناء ليس بسبب لزوال الملك وإنما يزول ملك الباني بأن يصير محرزا خالصا لله تعالى كما في مساجد المسلمين، والكنيسة لا تحرز لله تعالى على ما بيناه فيورث عنه بخلاف الوصية لأنها وضعت لإزالة الملك غير أن ثبوت مقتضى الوصية وهو الملك امتنع فيما ليس بقربة عندهم فيبقى فيما هو قربة عندهم على مقتضاه فيزول ملكه فلا يورث. قال مشايخنا: هذا فيما أوصى ببنائها في القرى، وأما في المصر فلا يجوز بالاتفاق لأنهم لا يمكنون من إحداث البيعة في الأمصار. وعلى هذا الخلاف إذا أوصى بأن يذبح خنازيره ويطعم المشركين من غير تعيين لما ذكرنا، وإن كان لقوم معينين جاز بالاتفاق. فحاصله أن وصايا الذمي على ثلاثة أقسام وهو ما إذا أوصى بما هو قربة عندنا، وعندهم كما إذا أوصى بأن يسرج في بيت المقدس أو بأن يغزي الترك وهو من الروم سواء كان لقوم معينين أو غير معينين لأنه وصية بما هو قربة عندنا وفي معتقدهم أيضا قربة. ومنها ما هو باطل بالاتفاق وهو ما إذا أوصى بما هو ليس بقربة عندنا ولا عندهم كما إذا أوصى للمغنيات والنائحات أو أوصى بما هو قربة عندنا
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 299 300 302 303 304 305 309 311 312 ... » »»
الفهرست