تكملة البحر الرائق - الشيخ محمد بن حسين بن علي الطوري القادري الحنفي - ج ٣ - الصفحة ١٩٣
قتيل بين قريتين فعلى أقربهما وإن وجد في دار إنسان فعليه القسامة والدية على عاقلته
____________________
ظهره فهو كالذي مع الدابة. وظاهر عبارة المؤلف أنه لا فرق بين أن يكون المالك معروفا أو لا. وفي شرح الطحاوي: فالقسامة والدية عليهم هكذا ذكر محمد، ولم يفصل بين ما إذا كان للدابة مالك وبين ما إذا لم يكن بل أطلق الجواب، ومن مشايخنا من قال: هذا إذا لم يكن للدابة مالك معروف وإنما يعر ف ذلك القائد والسائق، فأما إذا كان مالك الدابة معروفا فإنما تجب القسامة والدية على ملك الدابة نظير هذا ما قال محمد في كتاب العتاق: إن الرجل إذ استولد جارية في يده ثم أقر أنها لفلان إن كان المقر له مالكا معروفا لهذه الجارية صدق المستولد ولم تصر أم ولده، وإن لم يكن المقر له مالكا معروفا لم يصدق لأنها صارت أم ولد له من حيث الظاهر فكذلك هنا. ومن المشايخ من قال: سواء كان للدابة مالك معروف أو لم يكن فإن القسامة تجب على الذي في يده الدابة والدية على عاقلته، ولو وقعت المنازعة بين أهل المحلة وبين السائق كان القول قول السائق أن الدابة دابته.
قال رحمه الله: (مرت دابة عليها قتيل بين قريتين فعلى أقربهما) لما روي أنه صلى الله عليه وسلم أمر في قتيل وجد بين قريتين بأن يذرع فوجد أحدهما أقرب بشبر فقضى عليهم بالقسامة قيل هذا محمول على ما إذا كانوا بحيث يسمع منهم الصوت، وأما إذا كانوا بحيث لا يسمع منهم الصوت فلا شئ عليهم لأنهم إذا كانوا بحيث لا يسمع منهم الصوت لا يمكنهم الغوث، وهذا قول الكرخي رحمه الله تعالى. وعبارة الماتن ظاهرها الاطلاق، وأما إذا وجد في فلاة في أرض فإن كانت ملكا لانسان فهما على المالك، وإن لم تكن ملكا لاحد فإن كانت يسمع منها الصوت من مصر من الأمصار فعليهم القسامة، وإن كان لا يسمع فإن كان للمسلمين فيها منفعة للاحتطاب والكلأ فالدية في بيت المال، وإن انقطعت عنها منفعة المسلمين فدمه هدر، فظهر أن قوله على أقربها إذا لم تكن الأرض ملكا لاحد كما قال إذا كان يسمع منها الصوت من المصر وهو أحد القولين في القريتين إذا وجد قتيل بينهما. وقوله بين قريتين مثال وكذا لو وجد بين قبيلتين أو بين محلتين. قال في المحيط: أما إذا وجد في فلاة مباح فإن وجد في خيمة أو فسطاط فالقسامة على مالكها والدية على من يسكنها لأنها في يده كما في الدار، وإن كان خارجا عنها فعلى القبيلة التي وجد فيها القتيل لأنهم لما نزلوا قبائل في أماكن مختلفة صارت الأمكنة بمنزلة المحال المختلفة في المقر ألا ترى أنه ليس لغيرهم إزعاجهم عن هذا المكان.
ولو وجد بين القبيلتين فعلى أقربهما، فإن استويا فعليهما كما لو وجد بين المحلتين وبين القريتين. هذا إذا نزلوا بين قبائل متفرقين، فإن نزلوا جملة مختلطين ووجد القتيل خارج الخيام فعلى أهل العسكر كلهم لأنهم لما نزلوا جملة صارت الأمكنة كلها بمنزلة محلة واحدة لأن الأمكنة كلها منسوبة إلى جميع العسكر لا إلى البعض، وإن كان العسكر في أرض رجل
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 195 196 198 199 200 ... » »»
الفهرست