السادس: لفظ المدونة في مسألة السوم المحكي عن المشتري في جواب قول البائع:
بعشرة إنما هو رضيت، وحكاه المصنف بلفظ: أخذتها وكذلك ابن الحاجب. قال الوانوغي في حاشية المدونة: إن قلت: لم نسب ابن الحاجب للمدونة أخذتها في مسألة المساومة وترك الرضا المذكور فيها؟ قلت: للاعلام بأنهما سواء وإلا فعليه درك نقله. قلت:
الظاهر أنهما سواء ولذلك تبع المصنف ابن الحاجب في ذلك على أنه قد يقال لا درك على المصنف بحال لأنه لم ينسب المسألة للمدونة بخلاف ابن الحاجب فإنه نسبها للمدونة.
السابع: قال في رسم طلق بن حبيب من سماع ابن القاسم من كتاب الوكالات فيمن باع سلعة بعشرين دينارا على مؤامرة صاحبها وهو وكيل فقال له رجل: عندي زيادة، فهل يخبر صاحبها بذلك؟ قال مالك: نعم أرى ذلك وإنما يطلب صاحبها الزيادة ولكن يبين له فرب رجل لو زاده لم يبعه يكره مخالطته. قيل له: فإن أمره أن يبيعه ممن زاده فأبى أن يأخذها؟ قال: أرى أن يلزمه البيع. قيل له: إنه يقول لا حاجة لي بها. قال: يلزمه ولا حجة له. فتكلم ابن رشد أولا في جواز إخبار صاحبها بالزيادة وسيأتي إن شاء الله كلامه في التنبيه الثامن. ثم قال: وأما قوله: يلزمه البيع فهو خلاف ما في كتاب الغرر من المدونة من أنه لا يلزم المساومين المبيع لا البائع بما بذل له في سلعته ولا المبتاع بما أعطى. ولكل واحد أن يقول: إنما كنت لاعبا غير مجد ويحلف على ذلك ولا يلزمه البيع، ومثل ما في سماع أشهب من كتاب العيوب في البيوع أن البيع يلزم كل واحد منهما إذا كانت موقوفة للبيع انتهى.
قلت: قال المشذالي في حاشيته على المدونة عن الوانوغي أنه قال: الفرق بين ما في العتبية وما في المدونة، أن ما في العتبية تقدر فيها الثمن سابقا على الزيادة فكان ذلك دليلا على اللزوم وعدم الاختيار فيلزمه البيع بالزيادة بخروجه عن المساومة لمن زاد، ولما لم يتقدم ثمن في مسألة المدونة حمل على المساومة. قال المشذالي بعده: ويمكن أن يفرق بينهما بأن مسألة العتبية لم يدع أنه كان هازلا وإنما قال: لا حاجة لي بها، فجاز أن يكون جادا في الزيادة ثم ندم وقال: لا حاجة لي بها. وهذا معنى مناسب للالزام فلا يلزم منه اللزوم في مسألة المدونة كما لا يلزم من عدم اللزوم في مسألة المدونة عدمه في مسألة العتبية على الفرقين المذكورين انتهى.
قلت: لا شك أن مسألة المدونة مغايرة لمسألة العتبية ويفرق بينهما بالفرقين المذكورين فإن في كلامه في مسألة العتبية أنه أمره أن يخبر صاحبها بالزيادة ويشاوره على البيع بذلك، فأمره للوكيل بذلك يقتضي رضاه بالبيع كما تقدم في قول البائع للمشتري:
اذهب واستشير فيها فتأمله والله أعلم. وقول ابن رشد: لا يلزم المساومين البيع في مسألة