ثم رأيت في فتاوي ابن حجر ما يفيد ذلك، ونص عبارتها: سئل - نفع الله به - عن قولهم: يستحب أن لا يزيد ما بين الإمام والمأمومين على ثلاثة أذرع، فلو ترك هذا المستحب هل يكون مكروها؟ كما لو ساواه في الموقف وتفوت به فضيلة الجماعة أم لا تفوت؟ وكذلك لو صف صفا ثانيا قبل إكمال الأول، هل يكون كذلك مكروها تفوت به فضيلة الجماعة أم لا؟ فأجاب بقوله: كل ما ذكر مكروه مفوت لفضيلة الجماعة. فقد قال القاضي وغيره، وجزم به في المجموع، السنة التي لا يزيد ما بين الامام ومن خلفه من الرجال على ثلاثة أذرع تقريبا، كما بين كل صفين.
أما النساء فيسن لهن التخلف كثيرا. اه. بحذف.
(قوله: فإن جاء ذكر آخر) أي بعد اقتداء الجائي أولا بالامام. (قوله: أحرم عن يساره) أي الامام. هذا إن كان بيساره محل، وإلا أحرم خلفه ثم تأخر عنه من هو على اليمين. (قوله: ثم بعد إحرامه تأخرا) أي أو تقدم الامام، والتأخر أفضل، فإن لم يمكن إلا أحدهما فعل، وأصل ذلك خبر مسلم عن جابر رضي الله عنه: قمت عن يسار رسول الله (ص) فأدارني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فأقامه عن يساره، فأخذ بأيدينا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه. وخرج بقوله بعد إحرامه، ما إذا تأخر من على يمين الامام قبل إحرام الثاني. وبقول تأخرا: ما إذا لم يتأخرا. وبقوله في قيام أو ركوع:
ما إذا تأخرا في غير ذلك. ففي الجميع يكره ذلك، ويفوت به فضل الجماعة. (قوله: ووقوف رجلين جاءا معا) أي وندب وقوف رجلين حضرا ابتداء، أي أو مرتبا. ولو قال ذكرين لكان أولى، لشمولهما الصبيين والرجل والصبي.
(وقوله: خلفه) ظرف متعلق بوقوف. وكذا إذا حضرت المرأة وحدها أو النسوة وحدهن فإنها تقوم، أو يقمن خلفه، لا عن اليمين ولا عن اليسار. ولو حضر ذكر وامرأة قام الذكر عن يمينه، والمرأة خلف الذكر. أو ذكران وامرأة صفا خلفه، والمرأة خلفهما. أو ذكر وامرأة وخنثى، وقف الذكر عن يمينه، والخنثى خلفهما، والمرأة خلف الخنثى. (قوله: وندب وقوف في صف أول) قال القطب الغوث سيدنا الحبيب عبد الله الحداد في نصائحه: ومن المتأكد الذي ينبغي الاعتناء به، والحرص عليه، الملازمة للصف الأول، والمداومة على الوقوف فيه، لقوله عليه السلام: إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المقدمة. ولقوله عليه السلام: لو يعلم الناس ما في الاذان والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا. ومعنى الاستهام: الاقتراع. ويحتاج من يقصد الصلاة في الصف الأول لفضله إلى المبادرة قبل ازدحام الناس وسبقهم إلى الصف الأول، فإنه مهما تأخر ثم أتى وقد سبقوه ربما يتخطى رقابهم فيؤذيهم، وذلك محظور، ومن خشي ذلك فصلاته في غير الصف الأول أولى به، ثم يلوم نفسه على تأخره حتى يسبقه الناس إلى أوائل الصفوف. وفي الحديث: لا يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله تعالى.
ومن السنن المهملة المغفول عنها تسوية الصفوف والتراص فيها، وقد كان عليه الصلاة والسلام يتولى فعل ذلك بنفسه، ويكثر التحريض عليه والامر به، ويقول: لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم. ويقول: إني لأرى الشياطين تدخل في خلل الصفوف. يعني بها: الفرج التي تكون فيها. فيستحب إلصاق المناكب مع التسوية، بحيث لا يكون أحد متقدما على أحد ولا متأخرا عنه، فذلك هو السنة. ويتأكد الاعتناء بذلك، والامر به من الأئمة، وهم به أولى من غيرهم من المسلمين فإنهم أعوان على البر والتقوى، وبذلك أمروا، قال تعالى:
* (وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) * فعليك - رحمك الله تعالى - بالمبادرة إلى الصف الأول، وعليك برص الصفوف وتسويتها ما استطعت، فإن هذه سنة مثبتة من سنن رسول الله (ص)، من أحياها كان معه في الجنة، كما ورد. اه. *