(والثاني) أنه لا يقطع لأنه معنى المال فيها ناقص لأنه لا يمكن نقل الملك فيها، وإن سرق عينا موقوفة على غيره ففيه وجهان كالوجهين في أم الولد، وإن سرق من غلة وقف على غيره قطع لأنه مال يباع ويبتاع، وان سرق الماء ففيه وجهان (أحدهما) أنه يقطع لأنه يباع ويبتاع (والثاني) أنه لا يقطع لأنه لا يقصد إلى سرقته لكثرته.
(فصل) ولا يقطع فيما له فيه شبهة لقوله عليه الصلاة والسلام: ادرءوا الحدود بالشبهات، فإن سرق مسلم من مال بيت المال لم يقطع لما روى أن عاملا لعمر رضي الله عنه كتب إليه يسأله عمن سرق من مال بيت المال؟ قال لا تقطعه فما من أحد الا وله فيه حق.
وروى الشعبي أن رجلا سرق من بيت المال فبلغ عليا كرم الله وجهه فقال إن له فيه سهما ولم يقطعه وان سرق ذمي من بيت المال قطع لأنه لا حق له فيه وان كفن ميت بثوب من بيت المال فسرقه سارق قطع، لان بالتكفين به انقطع عنه حق سائر المسلمين، وان سرق من غلة وقف على المسلمين لم يقطع لان له فيه حقا، وان سرق فقير من غلة وقف على الفقراء لم يقطع لان له فيها حقا، وان سرق منها غنى قطع لأنه لا حق لها فيها.
(فصل) وان سرق رتاج الكعبة أو باب المسجد أو تأزيره قطع لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قطع سارقا سرق قبطية من منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه مال محرز بحرز مثله لا شبهة له فيه، وان سرق مسلم من قناديل المسجد أو من حصره لم يقطع لأنه جعل ذلك لمنفعة المسلمين وللسارق فيها حق، وان سرقه ذمي قطع لأنه لا حق له فيها.
(فصل) ومن سرق من ولده أو ولد ولده وان سفل، أو من أبيه أو من جده وان علا لم يقطع. وقال أبو ثور يقطع، لقوله عز وجل (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) فعم ولم يخص، وهذا خطأ لقوله عليه الصلاة والسلام (ادرءوا الحدود بالشبهات) وللأب شبهة في مال الابن وللابن شبهة في مال الأب، لأنه جعل ماله كماله في استحقاق النفقة ورد الشهادة فيه، والآية نخصها بما ذكرناه.