" اعلم أنه لا يجب الإقرار بما تضمنه الروايات، فإن الحديث المروي في كتب الشيعة وكتب جميع مخالفينا يتضمن ضروب الخطأ وصنوف الباطل، من محال لا يجوز أن يتصور، ومن باطل قد دل الدليل على بطلانه وفساده، كالتشبيه والجبر والقول بالصفات القديمة...، ولهذا وجب نقد الحديث بعرضه على العقول، فإذا سلم عليها عرض على الأدلة الصحيحة، كالقرآن وما في معناه، فإذا سلم عليها جوز أن يكون حقا والمخبر به صادقا، وليس كل خبر جاز أن يكون حقا وكان واردا من طريق الآحاد يقطع على أن المخبر به صادق " (1).
فرؤية ابن خلدون والسيد المرتضى وغيرهما وإن كانت تتفق معنا في الأصول، لكنها لا ترسم رؤيتنا، لأنا لا نكتفي بها وحدها، لأن مدار عملنا هنا هو البحث عن تطابق هذا المنقول عن هذا الشخص مع مواقفه ونصوصه الأخرى الصادرة عنه بالخصوص، لا مقايستها مع الأصول الأخرى وأشباهها فقط لمعرفة أنها من الشريعة أم لا، فمثلا: لو ورد خبر مفاده أن عمر بن الخطاب كان لا يعمل بالاجتهاد بالرأي، معضدا بما رواه هو عن النبي (صلى الله عليه وآله) من النهي عن العمل بالرأي! فنحن أمام خيارات:
إما أن نقول بكذب الخبر الوارد عن عمر، لما رأيناه من مجمل سيرته من العمل بالاجتهاد وتفسيره للمواقف والأحكام بالرأي لا النص، وبه يبقى ما رواه محمولا على وجه ما، أو ساقطا من الاعتبار.
وإما أن نكذب مروياته التي رواها عن النبي (صلى الله عليه وآله) في النهي عن الاجتهاد.
وإما أن نقول بصحة مروياته الناهية عن الاجتهاد، والرواية الواردة في عدم عمله بالاجتهاد، ونحتال لسيرته بما أمكننا من وجوه.
ونحن أمام هذا الركام لا نستطيع الخروج إلا بنتيجة تابعة للأهواء والميول، إذ أن هذا الجمع جمع متكلف غاية التكلف، لأن الأشخاص لا يصححون السيرة، بل السيرة هي التي تكون مقياسا للأشخاص وميزانا لهم، ولمعرفة ما يهدفون إليه.