الليل، وقال: (ولكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني) وكل من لم يزم نفسه في تعبده وأوراده بالسنة النبوية، يندم ويترهب ويسوء مزاجه، ويفوته خير كثير من متابعة سنة نبيه الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، الحريص على نفعهم، وما زال (صلى الله عليه وآله وسلم) معلما للأمة أفضل الأعمال، وآمرا بهجر التبتل والرهبانية التي لم يبعث بها، فنهى عن سرد الصوم، ونهى عن الوصال، وعن قيام أكثر الليل إلا في العشر الأخير، ونهى عن العزبة للمستطيع، ونهى عن ترك اللحم إلى غير ذلك من الأوامر والنواهي.
فالعابد بلا معرفة لكثير من ذلك معذور مأجور، والعابد العالم بالآثار المحمدية، المتجاوز لها مفضول مغرور، وأحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل، ألهمنا الله وإياكم حسن المتابعة، وجنبنا الهوى والمخالفة (1) ".
وبهذا فقد وقفنا على نفسية عبد الله بن عمرو بن العاص وأن روحية الاجتهاد كانت هي الحاكمة عليه في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن بعده لا التعبد، لأنه لو كان متعبدا بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما جاز له أن يناقضه (صلى الله عليه وآله وسلم) - أو يناقصه حسب تعبير الذهبي - في كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل كان عليه الامتثال والطاعة، لقوله سبحانه * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) * (2) وإن ما قدمناه يدعونا للتشكيك فيما علله عبد الله في سبب خروجه على علي بن أبي طالب من أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمره بإطاعة أبيه (3)، لأن وقوفه أمام أوامر الرسول ومناقضته له، وثبوت تأسفه وتركه لتعاليم الرسول حتى آخر حياته، كل هذه تخالف مقولته السابقة من أنه قد تعبد بكلام رسول الله!!
وعليه، فخروج عبد الله بن عمرو على علي بن أبي طالب ودخوله في جيش