وكان أبو القاسم يهجوه كما تقدم ذكره في الجزء الثاني من هذا الكتاب ومن شعره قوله (هذا الذي يدعى كله * ما شأنه إلا البله) (في رأسه عمامة * مكفوفة مزمله) (كأنها في لونها * قدر على سفرجله) من مجزوء الرجز ولما توفي أبو عبد الله تولى أبو القاسم العمل برأسه وعلا أمره وبعد صيته وجمعت رسائله أقسام الحسن والجودة وازداد على الأنام تبحرا في الصناعة وقدرة على الإنشاءات التي يؤنس مسمعها ويؤيس مصنعها ويحكى أن الحميد أمره ذات يوم أن يكتب إلى بعض أصحابه الأطراف كتابا وركب إلى متصيده واشتغل أبو القاسم عن ذلك بمجلس أنس عقده وإخوان جمعهم عنده وحين رجع الحميد من متصيده استدعى أبا القاسم وأمره بإحضار الكتاب الذي رسم له كتبه ليعرض عليه ولم يكن كتبه فأجاب داعيه وقد نال منه الشراب ومعه طومار أبيض أوهم أنه مكتوب في الكتاب المرسوم له فقعد بالبعد منه فقرأ عليه كتابا طويلا سديدا بليغا أنشأه في وقته وقرأه عن ظهر قلبه فارتضاه الحميد وهو يحسب أنه قرأه من مسودات مكتوبة وأمره بختمه فرجع إلى منزله وحرر ما قرأه وأصدره على الرسم في أمثاله ومن عجيب أمره أنه كان أكتب الناس في السلطانيات فإذا تعاطى الإخوانيات كان قاصر السعي قصير الباع وكان يقال إذا استعمل أبو القاسم نون الكبرياء تكلم من في السماء وكان من علو الرتبة في النثر وانحطاطها في النظم كالجاحظ ورسائله كثيرة مدونة سائرة في الآفاق لا يسع هذا الكتاب إلا الأنموذج مما يجري مجرى الغرر والأمثال منها
(١١٠)