أوان الثبات والمسكة فاختلست لمعة من ظلمة الدهر وانتهزت رقدة من عين الزمان واغتنمت نبوة من أنياب النوائب وخفة من زحمة الشوائب واستمررت في تقرير هذه النسخة الأخيرة وتحريرها من بين النسخ الكثيرة بعد أن غيرت ترتيبها وجددت تبويبها وأعدت ترصيفها وأحكمت تأليفها وصار مثلي فيها كمثل من يتأنق في بناء داره التي هي عشه وفيها عيشه فلا يزال ينقض أركانها ويعيد بنيانها ويستجدها على أنحاء عدة وهيئات مختلفة ويستضيف إليها مجالس كالطواوس ويستحدث فيها كنائس كالعرائس ثم يقورها آخر الأمر قوراء توسع العين قرة والنفس مسرة ويدعها حسناء تخجل منها الدور وتتقاصر عنها القصور فإن مات فيها مغفورا له انتقل من جنة إلى أخرى وورد من جنة الدنيا على جنة المأوى فهذه النسخة الآن تجمع من بدائع أعيان الفضل ونجوم الأرض من أهل العصر ومن تقدمهم قليلا وسبقهم يسيرا ما لم تأخذ الكتب العتيقة غرره ولم تفتض عذره ولم ينتقص قدم العهد وتطاول المدة زبره وتشتمل من نسج طباعهم وسبك أفهامهم وصوغ أذهانهم على الحلل الفاخرة الفائقة والحلى الرائقة الشائقة وتتضمن من طرفهم وملحهم لطائف أمتع من بواكير الرياحين والثمار وأطيب من فوح نسيم الأسحار بروائح الأنوار والأزهار ما
(٢٨)