قريب الوضع من وضع الروم.
فقد كان الاجتماع المدني وكذا الاجتماع البيتي عندهم متقوما بالرجال، والنساء تبع لهم، ولذا لم يكن لها استقلال في إرادة ولا فعل إلا تحت ولاية الرجال، لكنهم جميعا ناقضوا أنفسهم بحسب الحقيقة في ذلك، فإن قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهن بالاستقلال ولا تحكم لهن إلا بالتبع إذا وافق نفع الرجال، فكانت المرأة عندهم تعاقب بجميع جرائمها بالاستقلال، ولا تثاب لحسناتها ولا يراعى جانبها إلا بالتبع وتحت ولاية الرجل.
وهذا بعينه من الشواهد الدالة على أن جميع هذه القوانين ما كانت تراها جزء ضعيفا من المجتمع الإنساني ذات شخصية تبعية، بل كانت تقدر أنها كالجراثيم المضرة، مفسدة لمزاج المجتمع مضرة بصحتها غير أن للمجتمع حاجة ضرورية إليها من حيث بقاء النسل، فيجب أن يعتني بشأنها، وتذاق وبال أمرها إذا جنت أو أجرمت، ويحتلب الرجال درها إذا أحسنت أو نفعت، ولا تترك على حيال إرادتها صونا من شرها كالعدو القوي الذي يغلب فيؤخذ أسيرا مسترقا يعيش طول حياته تحت القهر ان جاء بالسيئة يؤاخذ بها وإن جاء بالحسنة لم يشكر لها.
وهذا الذي سمعته: ان الاجتماع كان متقوما عندهم بالرجال هو الذي ألزمهم أن يعتقدوا ان الأولاد بالحقيقة هم الذكور، وأن بقاء النسل ببقائهم، وهذا هو منشأ ظهور عمل التبني والالحاق بينهم، فإن البيت الذي ليس لربه ولد ذكر كان محكوما بالخراب، والنسل مكتوبا عليه الفناء والانقراض، فاضطر هؤلاء إلى اتخاذ أبناء صونا عن الانقراض وموت الذكر، فدعوا غير أبناءهم لأصلابهم أبناء لأنفسهم فكانوا أبناء رسما يرثون ويورثون ويرتب عليهم آثار الأبناء الصلبيين، وكان الرجل منهم إذا زعم أنه عاقر لا يولد منه