وربما لاح في بعض البيوت استقلال لنسائهم وخاصة للبنات في أمر الازدواج فكان يراعي فيه رضى المرأة وانتخابها، فيشبه ذلك منهم دأب الأشراف بإيران الجاري على تمايز الطبقات.
وكيف كان فمعاملتهم مع النساء كانت معاملة مركبة من معاملة أهل المدنية من الروم وإيران كتحريم الاستقلال في الحقوق، والشركة في الأمور العامة الاجتماعية كالحكم والحرب وأمر الازدواج إلا استثناء، ومن معاملة أهل التوحش والبربرية، فلم يكن حرمانهن مستندا إلى تقديس رؤساء البيوت وعبادتهم، بل من باب غلبة القوي واستخدامه للضعيف.
وأما العبادة، فكانوا يعبدون جميعا (رجالا ونساء) أصناما يشبه أمرها أمر الأصنام عند الصابئين أصحاب الكواكب وأرباب الأنواع، وتتميز أصنامهم بحسب تميز القبائل وأهوائها المختلفة، فيعبدون الكواكب والملائكة (وهم بنات الله سبحانه بزعمهم) ويتخذونها على صور صورتها لهم أوهامهم، ومن أشياء مختلفة كالحجارة والخشب ، وقد بلغ هواهم في ذلك إلى مثل ما نقل عن بني حنيفة انهم اتخذوا لهم صنما من الحيس فعبدوه دهرا طويلا ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه فقيل فيهم:
أكلت حنيفة ربها * زمن التقحم والمجاعة لم يحذروا من ربهم * سوء العواقب والتباعة وربما عبدوا حجرا حتى إذا وجدوا حجرا أحسن منه طرحوا الأول وأخذوا بالثاني، وإذا لم يجدوا شيئا جمعوا حفنة من تراب ثم جاؤوا بغنم فحلبوه عليها ثم طافوا بها يعبدونها.
وقد أودعت هذا الحرمان والشقاء في نفوس النساء ضعفا في الفكرة بصور لها أوهاما وخرافات عجيبة في الحوادث والوقائع المختلفة ضبطتها