والاسلام كسائر السنن من جهة النظر الطبيعي والاجتماعي وليس بمستثنى من هذه الكلية ، فحاله من حيث التقدم والتأخر والاستظهار بالعوامل والظروف حال سائر السنن وليس حال الاسلام اليوم - وقد تمكن في نفوس ما يزيد على أربعمائة مليون (1) من أفراد البشر، ونشب في قلوبهم، بأضعف من حاله في الدنيا زمان دعوة نوح وإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قامت دعوة كل منهم بنفس واحدة لم تكن تعرف الدنيا وقتئذ غير الفساد ثم انبسطت وتعرقت وعاشت واتصل بعضها ببعض فلم ينقطع حتى اليوم.
وقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بالدعوة ولم يكن معه من يستظهر به يومئذ إلا رجل وامرأة ثم لم يزل يلحق بهم واحد بعد واحد واليوم يوم العسرة كل العسرة حتى أتاهم نصر الله فتشكلوا مجتمعا صالحا ذا أفراد يغلب عليهم الصلاح والتقوى ومكثوا برهة على الصلاح الاجتماعي حتى كان من أمر الفتن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كان.
وهذا الأنموذج اليسير على قصر عمره وضيق نطاقه، لم يلبث حتى انبسط في أقل من نصف قرن على مشارق الأرض ومغاربها وحول التاريخ تحويلا جوهريا يشاهد آثاره الهامة إلى يومنا، وستدوم ثم تدوم.
ولا يستطيع أن يستنكف الأبحاث الاجتماعية والنفسية في التاريخ النظري عن الاعتراف بأن المنشأ القريب، والعامل التام للتحول المعاصر المشهور في الدنيا هو ظهور السنة الاسلامية وطلوعها ولم يهمل جل الباحثين في أوربا استيفاء البحث عن تأثيرها في المجتمع الانسان إلا لعصبية دينية أو علل سياسية وكيف يسع لباحث خبير - لو أنصف النظر - أن يسمي النهضة المدنية الحديثة نهضة مسيحية ويعد المسيح عليه السلام قائدها وحامل