معاشر الشرقيين وخاصة الباحثين من الفضلاء المفكرين في نطاق البحث الاجتماعي والنفسي، غير أنهم وردوا هذا البحث من غير مورده فاختلط عليهم حق النظر، ولتوضيح ذلك نقول:
أما قولهم: إن السنة الاجتماعية الاسلامية غير قابلة الجريان في الدنيا على خلاف سنن المدنية الحاضرة في جو الظروف القائمة، ومعناه ان الأوضاع الحاضرة في الدنيا لا تلائم الاحكام المشرعة في الاسلام، فهو مسلم لكنه لا ينتج شيئا فإن جميع السنن الدائرة في المجتمع الانساني إنما حدثت بعد ما لم تكن وظهرت في حين لم تكن عامة الأوضاع والظروف الموجودة إلا مناقضة له طاردة إياه، فانتهضت، ونازعت السنن السابقة المستمرة المتعرقة، وربما اضطهدت وانهزمت في أول نهضتها ثم عادت ثانيا وثالثا حتى غلبت وتمكنت وملكت سيطرتها، وربما بادت وانقرضت إذ لم يساعدها العوامل والظروف بعد، والتاريخ يشهد بذلك في جميع السنن الدينية والدنيوية حتى في مثل الديمقراطية والاشتراكية، وإلى مثله يشير قوله تعالى: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) (1).
فالآية تشير إلى أن السنة التي تصاحب تكذيب آيات الله لا تنتهي إلى عاقبة حسنة محمودة.
فمجرد عدم انطباق سنة من السنن على الوضع الانساني الحاضر ليس يكشف عن بطلانه وفساده، بل هو في جملة السنن الطبيعية الجارية في العالم لتتميم كينونة الحوادث الجديدة إثر الفعل والانفعال وتنازع العوامل المختلفة.