دامت ألف عام ونيف، ونبدأ بالحياة من الصفر كأننا بلا تجارب. هذا هو الخلط، وقد كان بهذا الخلط مصلحة لهذا الحكم أو ذاك أو التستر على هذا الشخص أو ذاك. فما هي مصلحتنا الآن بهذا الخلط وهذا التستر؟ وما هي مصلحتنا بإلغاء تجربة ألف وثلاثمائة وتسعين عاما، خاصة وأن هذا الخلط وهذا التستر وهذا الالغاء يتم على حساب الدين الحنيف وينفذ تحت شعار مصلحة الإسلام.
واقعة للاستكشاف الشرعي قامت جموع غاضبة فقتلت بعد تردد طويل الخليفة الثالث عثمان بن عفان بزعم أنه قد انحرف عن سيرة صاحبيه الصديق والفاروق، فبايع أهل المدينة عليا عليه السلام وتبعهم أهل الأمصار باستثناء أهل الشام وواليهم معاوية بن أبي سفيان الذي لم يبايع لأنه حسب قوله يريد معاقبة قتلة عثمان. فقال له الخليفة: ادخل في الطاعة وسأقضي بالحق للجميع، فرفض معاوية وتحصن في ولايته، وأخذ يكيد للإمام ويعلن خروجه عليه ويزعزع قواعد استقرار الدولة ويهيئ الأمة للانقسام، مستغلا أموال ولايته وصارفا لها بغير الوجوه الشرعية المخصصة لها، وما زال يكيد حتى انقسمت الأمة حقيقة وسالت الدماء، ثم قتل الإمام، واغتصب معاوية أمر الأمة بالقوة وتأمر عليها وفيها السابقون من الصحابة الذين قاتلوه وقاتلوا أباه على الإسلام، ونسي معاقبة قتلة عثمان أو تناساهم، وأوصى أن يكون الملك من بعده لابنه يزيد، وهو سكير خمير صاحب قردة وطنابير على حد تعبير الحسن البصري، ومن ذلك التاريخ صارت رئاسة الدولة غنيمة يختص بها من غلب. وبما أن القديم على قدمه، فقد صارت الغلبة وسيلة شرعية (نحن مع من غلب).
عدالة كل الصحابة الذين وقفوا مع علي، والذين وقفوا مع معاوية كلهم صحابة وكلهم عدول ولا يدخل أحد منهم النار، وكلهم في الجنة وكلهم مجتهد وكلهم لم يخطئ، ومن عابهم أو عاب أيا منهم فهو زنديق لا يواكل ولا يشارب ولا يصلى عليه حسب إجماع أهل السنة. امدحهم جميعا كما يحلو لك فهم أهل لهذا المدح ولكن إن قلت إن واحدا منهم أخطأ فأنت زنديق... الخ. هذا التفكير الأعمى أصبح سنة حقيقية،