يا أبا بكر، فإنه لم يمنعنا أن نبايعك إنكارا لفضيلتك ولا نفاسة عليك، ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا، فاستبددت به علينا، ثم ذكر قرابته من رسول الله، فلم يزل يذكر حتى بكى أبو بكر. فقال أبو بكر: لقرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي (1).
أتى المغيرة بن شعبة فقال: الرأي يا أبا بكر أن تلقوا العباس فتجعلوا له في هذه الإمرة نصيبا، وتكون لكما الحجة على علي وبني هاشم. فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة إلى العباس. ومما قاله أبو بكر للعباس:... وقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا... إلى أن قال: على رسلكم يا بني عبد المطلب، فإن رسول الله منا ومنكم. فأجابه العباس على كل النقاط التي أثارها إلى أن قال: وأما قولك إن رسول الله منا ومنكم، فإنه قد كان من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها (2).
وقد آلت الأمور إلى الفاروق، لأن أبا بكر أوصى له، ولأنه من قريش عشيرة النبي، ثم آلت إلى عثمان لنفس الأسباب، فقد أوصى له عمر عمليا، ولأنه أيضا من قريش. وآلت الأمور إلى علي لأنه الولي، ولأن الناس بايعوه، كذلك الحسن (عليه السلام)، وعندما غصب معاوية الأمر بالقوة كان من مبررات حكمه أنه من قريش ومن أقارب النبي، فهاشم وعبد شمس إخوة، فسنده الظاهري القربى والغصب، وهكذا سند الحكم الأموي كله، وجاء بنو العباس وقد تسلحوا بالقرابة وضربوا على وتر الآلام التي لحقت بأهل البيت كمقتل الأئمة علي والحسن والحسين والذرية الطاهرة، ثم تسلموا بالقوة فغلبوا وحكموا.
فالحكم من بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وحتى سقوط آخر خلفاء بني العباس قام في جانب منه على قاعدة أن الأئمة من قريش، وقريش هي قرابة النبي، وأنت تلاحظ أن القرابة من النبي يحرم منها أهل البيت، ويستفيد منها الأبعدون.